محاضرات في علم أصول الفقه
إعداد الأستاذ الدكتور: هزرشي عبد الرحمان
موجهة لطلبة السنة الأولى علوم إسلامية
الموسم الجامعي 2025 / 2026
مقدمة :
التعريف بعلم أصول الفقه :
أصول الفقه اسم مركب من مضاف ومضاف إليه كلمة " أصول " وكلمة " الفقه " وتعريفه يقتضي معرفة جزأيه ، فنبدأ بتعريف المضاف إليه المعرف وهو الفقه، ثم ننتقل لتعريف المضاف أصول .
تعريف الفقه:
الفقه لغة : هو الفقهم مطلقا ، قال تعالى : " قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول " [1]، أي لا نفهم كثيرا مما تقوله بشأن الإيمان بالله واليوم الآخر وأمور الدين، وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام " واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي "[2] أي يفهموا قولي .وقال تعالى : " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [3] .
الفقه اصطلاحا : هو : " العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية " [4].
شرح التعريف :
العلم : يقصد بالعلم الإدراك للأشياء، وقد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا، والعلم هو مجموعة المعارف المندرجة تحت هدف كلي ، فنقول علم الطب ، علم الفلك ، علم النحو ... وهكذا.
الأحكام : جمع حكم وهو إثبات أمر لآخر إيحابا أو سلبا كقولنا : القاعة كبيرة فنحكم بكبر القاعة ، الطلاب حاضرون ، أو تقول القاعة غير ملائمة ، الطلاب غير حاضرين .
والمقصود بالأحكام هنا ما يثبت للمكلفين من وجوب وندب وحرمة ..... مثل قولنا : الصلاة واجبة ، الطهارة شرط صحة للصلاة ، القصر في الصلاة رخصة ، طلب العلم فريضة .
الشرعية : أي الأحكام المنسوبة بالشريع والمتعلقة بالشريعة الإسلامية، وبهذا القيد " الشرعية " أخرد الأحكام المتعلقة بالعلوم الأخرى فعندما تقول : " العبارة صحيحة " فهذا حكم لغوي ، وعندما تقول هذا الدواء نافع للمعدة فهذا حكم طبي ...
العملية : أي الأحكام العملية المتعلقة بأعمال الجوارح من عبادات ومعاملات كالصلاة والزكاة والزواج والطلاق والبيع والإيجار وغيرها من الأحكام العملية، وقد أخرج بهذا القيد أعمال القلوب كالإيمان بالله واليوم الآخر ....
المكتسب : أي العلم الذي يحصل بالاجتهاد وبذل الوسع في فهم الأدلة، وعلى هذا فعلم المقلد لا يعتبر فقها وفقا لهذا التعريف.
من أدلتها التفصيلية: فالأدلة هي وسيلة اكتساب العلم والمقصود بالأدلة التفصيلية أي الجزئية الخاصة بكل مسألة من مسائل الفقه وهو ما يفرقها عن الأدلة المجملة التي هي أدلة أصول الفقه، ومن الأمثلة على ذلك :
مثال1 : قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين )[5]
فهذا الدليل التفصيلي من القرآن أفاد حكما هو أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى
بالنسبة لأبناء الميت.
مثال 2 : ( حرمت عليكم الميتة ) [6]فهذا الدليل التفصيلي من القرآن أفاد حكما فقهيا جزئيا هو تحريم أكل لحم الميتة.
مثال 3 : ( كتب عليكم القتال وهوكره لكم )[7] هذا دليل تفصيلي تضمن حكما عمليا وهووجوب الجهاد في سبيل الله.
مثال 4 : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إندمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )[8] ، فهذا الحديث هو دليل تفصيلي تضمن حكما شرعيا عمليا وهو تحريم دماءالمسلمين وأموالهم وأعراضهم.
وكذا قياس بعض الأحكام التي لم يرد فيها دليل على أحكام أخرى ورد بها الدليل هو دليل تفصيلي ، أو حكم ثبت بالمصلحة المرسلة ....
تعريف أصول :
التعريف اللغوي : أصول جمع كلمة أصل وتُجمع على أصُلٌ وأصول، والأصل ما يبنى عليه غيره ، يقال : أصل الشجرة أي جذعها وأصل الجدار أي أساسه،
التعريف الاصطلاحي : يطلق الأصل على عدة معان منها:
القاعدة المستمرة : ومنه قول علماء أصول الفقه " الأصل أن الخاص مقدم على العام عند التعارض " أي القاعدة في ذلك، ويقول علماء النحو: " الأصل في المبتدإ التقديم وفي الخبر التأخير " أي القاعدة المستمرة في كلام العرب، ويقول علماء البلاغة العربية : " الأصل في الكلامالحقيقة لا المجاز ".
تعريف أصول الفقه باعتباره علما : هو مجموعة القواعد التي يُوصِل البحثُ فيها إلى استنباط الأحكام الفقهية العملية من أدلتها التفصيلية[9] .
شرح التعريف :
القواعد : جمع قاعدة وهي القاعدة الكلية التي التي تعرف منها الجزئيات المندرجة تحت موضوعاتها،
التي يوصل البحث فيها : أي أن هذه القواعد تكون وسيلة للمجتهد لمعرفة الأحكام وأخذها من الأدلة، وبالتالي فقد أخرج القواعد التي لا تكون وسيلة لاسنباط الأحكام الفقهية العملية ، كقواعد النحو والهندسة وقواعد علم الاجتماع .
موضوع علم أصول الفقه: فانطلاقا من تعريف علم أصول الفقه نعرف أن موضوع علم أصول الفقه هو دراسة القواعد والمبادئ التي يستخدمها الفقهاء لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، فموضوع أصول الفقه هو الدليل الكلي من حيث إثباته للأحكام، فموضوعات علم أصول الفقه هي :
الحكم الشرعي بفرعيه الحكم التكليفي : الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام، والحكم الوضعي : الشرط والمانع والرخصة والعزيمة.
الأدلة الشرعية: القرآن والسنة والقياس والإجماع.
دلالة الألفاظ : وكيفية الاستفادة ، كالأمر والنهي، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمفهوم والمنطوق .
مثال المطلق والمقيد : قال تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم )[10].
وقال تعالى: ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم جنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به )[11].
فكلمة الدم ذكرت في الاية الأولى مطلقة وفي الآية الثانية قيدت بكون الدم مسفوحا.
المفهوم: إن رسول الله ص سئل عن سؤرالقطة قال: ( إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات )[12] لماذا فرق رسول الله ص بين لعاب الكلب ولعاب القطة فقال طهورإناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات إحداهن بالتراب أو قال أولاهن بالتراب)[13].
الاجتهاد وصفات المجتهد وشروطه .
أهمية دراسة علم أصول الفقه: هي القواعد التي تمكن الفقيه من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية،ومن هنا تكمن أهمية دزاسة أصول الفقه فقواعد أصول الفقه لها أهمية كبيرة نظرا للهدف منها وهو استنباط الأحكام الشرعية وفضلا عن ذلك فله فوائد متعددة نذكر منها:
01 - الاستنباط الدقيق للأحكام وذلك بمعرفة طرق الاستنباط وكيفية تطبيقها.
02 - تيسير الاجتهاد في القضايا المستجدة التي تحدث ولم يرد فيها نص شرعي.
03 - حماية الشريعة الإسلامية من الانحراف وذلك بوضع القواعد والضوابط لفهم النصوص الشرعية ومنع تفسير النصوص بالهوى أو الرأي المجرد عن الاجتهاد الصحيح والفكر السليم.
04 – فهم تراث الأئمة والمذاهب فعلم أصول الفقه يمكن الدارس من فهمواستيعاب أدلة الفقهاء وآراء المذاهب وطرق اجتهادهم وقواعد الترجيح بين الأقوال والآراء.
05 – ضمان منهجية صحيحة لفهم الشريعة الإسلامية بعيدا عن الأهواء والميولات.
نشأة علم أصول الفقه وتطوره:
1 - مرحلة ما قبل التدوين : نشأ علم أصول الفقه مسايرا لحركة الاجتهاد الفقهي، فقد كانت قواعد أصول الفقه معروفة لدى المجتهدين يستخدمونها في اجتهادهم وفتاواهم ولا يعبرون عنها إلا قليلا، فكانوا يعرفون القواعد المتعلقة بالقياس والناسخ والمنسوخ ويعرفون المنطوق والمفهوم دون أن تكون مدونة في الكتب .
2 - مرحلة التدوين : بداية من الإمام الشافعي في أواخر القرن الثاني الهجري حوالي 192 هـ ، ثم توالت الكتابات في علم أصول الفقه وظهرت مدرستان في التأليف في أصول الفقه هما : مدرسة الفقهاء ومدرسة المتكلمين .
أ - طريقة المتكلمين : اهتم أصحاب هذا المنهج بتحرير القواعد مجردة من المسائل الفقهية ووضع المقاييس مع الاستدلال العقلي ومن غير نظر إلى مذهب معين، سار عليها جمهور العلماء من المالكية والحنابلة والظاهرية والمعتزلة ومن سائر المذاهب وانتشرت في أغلب الأمصار.
ب - طريقة الفقهاء: تأخر ظهور هذه المدرسة بالمقارنة مع مدرسة المتكلمين، سارت هذه الطريقة باتجاه التأثر بالفروع الفقهية، واثبات سلامة الاجتهاد فيها، فهي تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نُقل من الفروع الفقهية عن آئمة كبار الحنفية، لإثبات القواعد التي لاحظها أولئك الأئمة عندما اجتهدوا في الفروع، فهي في واقعها أصول تأخر وجودها واستخراجها عن استنباط الفروع .
ج - مقارنة بين المدرستين : يلاحظ أن منهج المتكلمين منهج تجريدي يجعل القواعد الأصولية مقياسا للاستنباط ومعيارا له، بينما يمتاز منهج الفقهاء بأنه منهج عملي تطبيقي، ينطلق من المسائل الفقهية والاستدلال بها على القواعد الأصولية لتكون مقررة لها، فهذه الطريقة سارت باتجاه التأثر بالفروع، واثبات سلامة الاجتهاد فيها، فهي تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نُقل من الفروع عن الأئمة المجتهدين عندما فرعوا الفروع، ولهذا فأصول المتكلمين قوانين للاستنباط وحاكمة عليه وموجهة له أما أصول الفقهاء فإنها مقررة لما هو موجود من أحكام فقهية .
الحكم الشرعي وأقسامه
الحكم الشرعي : هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا.[14]
فالحكم عند الأصوليين هو نفس الخطاب الشرعي .
شرح التعريف :
خطاب الله : هو كلام الله جل وعلا، ويقصد به القرآن، وأيضاً تدخل معه السنة.
المتعلق بأفعال المكلفين أي ما يتعلق بالأفعال لا الاعتقادات مثل الإيمان أو صفات الله، أو عذاب القبر ونعيمه، فهذا لا يبحث فيه الأصوليون.
الاقتضاء: هو الإلزام بالفعل أو بالترك.
والإلزام بالفعل يعني: الوجوب، وينسحب معه الاستحباب، والمستحب لابد من أمر شرعي فيه يأمر الله به.
والإلزام بالترك هو التحريم، وينسحب معه المكروه.
والوضع هو: جعل شيء سبباً لشيء آخر أو شرطا أو مانعا. كجعل غروب الشمس سببا لوجوب صلاة المغرب ، ورؤية هلال شهر رمضان لوجوب الصيام .
وأن يحعل القتل العمد سببا لمنع الميراث .
أقسام الحكم الشرعي
الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين: حكم تكليفي، وحكم وضعي.
فالحكم التكليفي: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير[15] فقط، فيدخل فيه الواجب والمستحب والحرام والمكروه والمندوب.
الحكم الوضعي: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالوضع فقط، فيدخل فيه السبب والشرط والمانع والصحة والبطلان[16].
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي :
الحكم التكليفي له أوقات وعلامات وأسباب، وأما الحكم الوضعي فليس له ذلك ، والحكم التكليفي يقصد منه الطلب أي التكليف، أما الحكم الوضعي فلا يتطلب ذلك، والحكم التكليفي أمر يستطيع المكلف فعله أو تركه، بينما الحكم الوضعي قد يكون في مقدور المكلف أو قد لا يكون.
مثال ذلك: الزكاة في مال الصبي : الصبي غير مكلف، فلا يؤمر بالصلاة ولا بالحج ولا بالجهاد، لأن هذه كلها من خطاب التكليف ، لكنه يؤمر بإخراج الزكاة من ماله، فلو أن هناك صبياً عنده مال بلغ النصاب وحال عليه الحول، فلا بد أن يزكى هذا المال؛ وهذا من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف ، فبلوغ النصاب شرط في وجوب الزكاة.
كذلك لو أن صبيا كان يلعب في الشارع فكسر زجاج سيارة أو أتلف شيئاً لبائع، فإن الولي يأخذ من مال هذا الطفل ليضمن هذا المتلف، فالإتلاف سبب للضمان وهذا من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف أيضاً.
أقسام الحكم التكليفي:
خطاب التكليف له خمسة أقسام: الواجب، المندوب، المباح، المحرم، المكروه.
الواجب
تعريف الواجب:
الواجب لغة: هو الساقط، قال الله تعالى: ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا )[17] ، أي: أن الإبل عندما تنحر وهي واقفة، فتسقط على الجنب، ثم لك أن تذبح بعد ذلك وتأكل وتعطي القانع والمعتر.
الواجب اصطلاحا: هو طلب الفعل على وجه اللزوم.[18]
أو هو: ما ذُم تاركه شرعاً مطلقاً[19]. مثل الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والوفاء بالعقود، ورد الامانات.
صيغ الواجب:
1 - فعل الأمر كقوله تعالى: ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )
2 - الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيق ).
3 - اسم فعل الأمر كقوله تعالى : ( عَليكم أَنفُسَكم )
4 - المصدر النائب عن فعل الأمر، كقوله تعالى: ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ).
5 - التصريح من الشارع بلفظ الأمر كقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ).
6 - التصريح بلفظ الإيجاب أو الفرض، أو الكتب كقوله تعالى : ( فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )، وقوله: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ).
7 - كل أسلوب يفيد الوجوب في لغة العرب كقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ).
8 - ترتيب الذم والعقاب على ترك الفعل، كقوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ )
الواجب والفرض
يطلق الجمهور على الواجب لفظ الفرض ولا يفرقون بينهما ، بينما يفرق الحنفية بين الواجب والفرض،
ووجه الفرعندهم : أن " الفرض " اسم لما ثبت حُكمه بدليل مقطوع به، كالآية والحديث المتواتر اللَّذَين قد قُطع بدلالتهما على الحكم، والإجماع الصريح الذي نقل إلينا نقلاً متواتراً.
بينما " الواجب " فهو اسم لما ثبت حكمه بدليل ظني كخبر الواحد، والإجماع السكوتي، والقياس، وجميع دلالات الألفاظ الظنية[20].
أقسام الواجب : يقسم الواجب باعتبارات مختلفة نفصلها فيما يلي:
1. تقسيم الواجب من حيث الفاعل ( المطالب بالأداء ): يقسم الواجب باعتبار المكلف به إلى:
· الواجب العيني: ما طلب الشرع فعله من كل فرد مكلف بذاته . مثل: الصلوات الخمس، والحج، والوفاء بالعقود.
· الواجب الكفائي: ما طلب الشرع فعله من جماعة من المسلمين، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع، مثل صلاة الجنازة وتعلم العلوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكروالقضاء والإفتاء، والقيام بالصناعات والحرف والمهن كالطب والتجارة، وسائر الخدمات التي يحتاجها المجتمع.
فهذه الواجبات طلب للشارع إيجادها في الأمة بغض النظر عمن يقوم بها، وليس مطلوبا أن يقوم بها كل فرد ؛ لأن المصلحة تتحقق بوجودها في بعض المكلفين ولا تتوقف على قيام كل مكلف بها.
إذا تعيّن فردٌ لأداء الواجب الكفائي كان واجبا عينيا عليه، فلو شهد الغريقَ شخصٌ واحدٌ يحسن السباحة تعين عليه إنقاذه ، ولو لم ير الحادثة إلا واحدٌ ودُعي للشهادة تعينت عليه، ولو لم يوجد في البلد إلا طبيبٌ واحدٌ تعين عليه إسعافُ المريض؛ فهؤلاء الذين تعينوا لأداء الواجب الكفائي، ينقلب الواجب بالنسبة إليهم واجبا عينا[21].
2. من حيث الفعل المطلوب: يقسم الواجب باعتبار الفعل المطلوب إلى:
· الواجب المعين: ما حدد الشرع فعله بعينه، فلا يصح غيره. مثال: الصلوات والصيام والحج، وثمن الشيء المشترى، وأجر المستأجر، بحيث لا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه بعينه.
· الواجب المخير: ما خير الشرع المكلف فيه بين أفعال محصورة، فإذ اقام بواحد منها أجزأه. مثال: كفارة اليمين (إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة)، ويبقى الخيار فيه للمكلف فيقوم بأحد تلك الأفعال فإذا فعل واحدة منها أجزأه.
3. تقسيم الواجب من حيث المقدار: ينقسم الواجب من حيث مقدار الفعل المطلوب إلى قسمين:
· الواجب المحدد: ما قدره الشارع بحد معين، كالصلوات، والصيام، والزكاة، والديون المالية، وتبقى ذمة المكلف مشغولة بها حتى يؤديها بمقدارها المحدد .
· الواجب غير المحدد: ما لم يقدره الشارع بحد معين بل طلبه من غير تحديد المقدار، كالإنفاق في سبيل الله، وإطعام الجائع، وإغاثة الملهوف، والمقدارفي هذه الفروض غير محدد، بل يتحدد تبعا للحاجة والظروف والأحوال.
4. وينبني على هذا التقسيم: أن الواجب المحدد يجب ديناً في الذمة، وتجوز المطالبة به أمام القضاء، وأن الواجب غير المحدد لا يجب ديناً في الذمة ولا تجوز المطالبة به أمام القضاء، لأن الذمة لا تشغل إلا بمعين والمقاضاة لا تكون إلا بمعين.
ولهذا من رأى أن نفقة الزوجة الواجبة على زوجها، ونفقة القريب الواجبة على قريبه واجب غير محدد، لأنه لا يُعرف مقداره، قال: إن ذمة الزوج أو القريب غير مشغولة به قبل القضاء، وليس للزوجة أو القريب أن يطالب به إلا بعد القضاء لأن الحكم القضائي يحدده.
ومن رأى أنها من الواجب المحدد المقدر بحال الزوج أو بما يكفي للقريب، قال إنهما واجب محدد في الذمة فتصح المطالبة به بواسطة القضاء.
5. تقسيم الواجب من حيث وقت الأداء: ينقسم الواجب من حيث وقت الأداء إلى قسمين:
· الواجب المؤقت: ما حدد له الشارع وقتاً معيناً له بداية ونهاية، لا يمكن أداؤه في غير زمنه المحدد، كالصلوات فقد حدد لها الشارع وقتا معينا لا يصح أن تُؤدى قبله، ويأثم المكلف لإذا أخرها عن وقتها والصيام.
والواجب المؤقت إن كان وقته الذي حدده الشارع يسع الفعل ويسع غيره من جنسه سُمي هذا الوقت موسَّعاً ، مثاله : صلاة الظهر ، فالوقت المحدد لأدائها وقت موسع يسع أداء الظهر وأداء أي صلاة أخرى، وللمكلف أن يؤدي الظهر في أي جزء من ذلك الوقت.
وإن كان وقته الذي حدده الشارع يسع الفعل ولا يسع غيره من جنسه سمي هذا الوقت مضيَّقاً ، مثال ذلك صيام شهر رمضان فهو مضيق لا يسع إلا صوم رمضان ولا يمكن للمكلف أداء صيام آخر مع صيام شهر رمضان.
إن الواجب الموسع يجب على المكلف أن يعينه بالنية حين الآداء في وقته، لأنه إذا لم ينوه بالتعيين لا يجزئه ذلك ، فمثلا إذا صلى الشخص في وقت الظهر أربع ركعات فإن نوى بها تأدية صلاة الظهر كان ذلك أداء لها، وإذا لم ينو بها أداء صلاة الظهر لم تكن صلاته أداء لها، ولو نوى التطوع كانت صلاته تطوعا.
وأما الواجب المضيق فلا يجب على المكلف أن يعيّنه بالنية حين أدائه في وقته، لآن الوقت معيار له لا يسع غيره من جنسه فبمجرد النية ينصرف ما نواه إلى الواجب، فإذا نوى في شهر رمضان الصيام مطلقا ولم يعين بالنية الصيام المفروض انصرف صيامه إلى الصيام المفروض، ولو نوى التطوع لم يكن صومه تطوعا بل كان المفروض، لأن الشهر لا يسع صوما غيره
· الواجب المطلق : ما لم يحدد الشرع له وقتاً معيناً، كالكفارات والنذور،وتبرأ الذمة بتأديته دون النظر للوقت.
المندوب
الندب لغة : هو الدعاء إلى الأمر المهم، والمندوب: المدعو إليه، وندب القوم َ إلى الأمر دعاهم وحثهم[22] ومنه قول الشاعر:
لاَ يَسْأَلُونَ أَخَاهم حينَ يَندُبُهم للنَّائِبَاتِ على ما قَالَ بُرهَانا[23]
المندوب اصطلاحا: هوما طلب الشارع فعله من غيرإلزام، بحيث يمدح فاعله ويثاب، ولا يذم تاركه ولا يعاقب ، وقد يلحقه اللوم والعتاب على ترك يعض أنواع المندوب.
شرح التعريف :
ما طلب الشارع فعله:وذلك بخطاب الله الاقتضائي، أي الأمر فيخرج الحرام والمكروه لأنه نهي، ويخرج به المباح لأنه تخيير.
طلبا غير جازم : فيخرج به الواجبلأن الشارع طلب فعله طلبا جازما.
حكم المندوب : إن فاعل المندوب مطيع يستحق الثواب والأجر من الله، وتاركه ليس عاصيا فلا يستحق العقاب.
صيغ الندب :ويدل على كون الفعل مندوباً
1- صيغة الطلب الصريح، إذا اقترن بها ما يدل على ارادة الندب لا الإلزام، سواء كانت هذه القرينة نصاً أو غيره.
فقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»[24]
لا يدل هذا الطلب على الحتم والإلزام، بقرينة ما ورد في سياق الآية وهو قوله
تعالى فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ
أَمَانَتَهُ)[25] فهذا النص يدل على أن طلب كتابة
الدين إنما يُراد به الندب لا اللزوم، فهو من قبيل الإرشاد للعباد لما يحفظون به
حقوقهم من الضياع، فإذا لم يأخذوا بهذا الإرشاد تحملوا هم نتيجة إهمالهم.
وقوله تعالى: ( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً )[26] ،لايدل على وجوب المكاتبة، بقرينة القاعدة الشرعية: إن المالك حر في التصرف في ملكه، فيدل على أنالأمر قد صرف من الوجوب للاستحباب .
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) ، لا يدل على وجوب النكاح على كل مكلف، بقرينة ما عرف بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لم يلزم كل مكلف بالنكاح، ولو مع قدرته عليه.
2 - التعبير الصريح بلفظ الندب : أو السنة ومنه قوله ص في قيام رمضان ( سننت لكم قيامه )[27]
3 – عدم ترتيب العقوبة على لترك الفعل مع طلبه من الشارع، كقوله ص : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )[28]فلم يرتب العقوبة على ترك الرخصة فدل على الاستحباب.
4 – عدم مواظبة الرسول ص على الفعل في أغلب الأحيان وتركه في بعض الحالات ليدل على أن الفعل غير معاقب على تركه كالسنن الراتبة بعد الصلوات وقبلها.
5 – الأساليب التي تدل على عدم الإلزام مثل قوله ص : ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل )[29]، وقوله : ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )[30]فهذه الأحاديث تدل على طلب الفعل ولكن ليس على سبيل الإلزام، لأن الطلب جاء مقتصرا على التحبيب في الفعل وبيان فضله والترغيب فيه.
أسماء المندوب: يطلق على المندوب ألفاظ: السنة، والناقلة، والمستحب، والتطوع، والإحسان، والفضيلة، وكلها ألفاظ متقاربة المعنى تشير الى معنى المندوب، وهو طلب الفعل من غير إلزام.
مراتب المندوب :والمندوب على مراتب:
السنة المؤكدة: وهو ما يثاب عليه فاعله ولا يعاقب تاركه، لكنه يستحق اللوم والعتاب، فالفعل مندوب على وجه التأكيد، وهي أعلى درجات المندوب، والقاعدة في معرفة السنة المؤكدة هو ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتركه إلا نادراً ليبين جواز الترك، كصلاة الفجر، والشفع والوتر، وصلاة العيدين، والمضمضة والاستنشاق في الوضوء، والأذان فهومن شعائر الإسلام المتعلقة بمصلحة دينية عامة، فلا يحوز التهاون به، ولهذا إذا تواطأ أهل قرية على تركه حُملوا عليه قسراً.
السُّنَّة غير المؤكدة : مايثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ولا يستحق العتاب على ترك الفعل، وهي التي لم يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم،وإنما كان يفعله في بعض الأحيان، ويسمىنافلة وتطوعا، كصلاة أربع ركعات قبل الظهر، وكصدقة التطوع .
الفضيلة : وهي ما يثاب عليه فاعله إن نوى بها متابعة النبي ص والاقتداء به، ولا شي على تاركها، وتسمى الأدب وتلي هذه المرتبة كالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في شؤونه الاعتيادية التي صدرت منه بصفته إنساناً، كطريقته ص في الأكل والشرب والنوم، فالاقتداء به عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور مستحب ويدل على تعلق المقتدي به - عليه الصلاة والسلام -، ولكن تاركها لا يستحق لوماً ولا عتاباً لأنها ليست من أمور الدين، ولم تجر مجرى العبادات، ولكنها من العادات.
هل المندوب مأمور به: اتفق الفقهاء على أن المندوب مأمور به واختلفوا في طبيعة الأمر على قولين، فيرى الجمهورمن المالكية والشافعية والحنابلة والمحققين من الحنفية أن المندوب مأمور به حقيقة، بينما ذهب بعض الأصوليين إلى أن المندوب مأمور به مجازا وليس حقيقة.
استدل الفريق الأول بما يلي :
1 – أن المندوب مأمور به لأنه يسمى طاعة، والطاعة تكون بامتثال الأمر.
2 – قالوا : إن الأمر ينقسمإلى قسمين : أمر إيجاب وأمر ندب .
3 – المندوب مطلوب كالواجب، غير أن الواجب مطلوب مع ذم الترك للفعل، بينما المندوب مطلوب من الشارع مع عدم ذم التارك، وعليه فالمندوب مأمور به.
استدل الفريق الثاني :بما يلي:
1 – لو كان المندوب مأمورا به حقيقة لكان تركه يوجب العقاب لمخالفة الأمر ، مع أن ترك المندوب لا يوجب إثما بالاتفاق، فكام المندوب مأمور به مجازا .
الجواب : الندب اقتضاء لا تخيير فيه، لأن التخيير تسوية بين الفعل والترك، فإذا ترجحت جهة الفعل بربط الثواب به ارتفعت التسوية والتخيير، أما المعصية فهي مخالفة أمر الإيجاب وقد أسقط الشارع الذم على ترك المندوب.
2 – استدلوا بالحديث : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )[31]، فالسواك مندوب ولم يأمر به رسول الله ص .
الجواب: أن الأمر المقصود في الحديث أمر الإيجاب لا أمر الندب.
والخلاف لفظي لا ينبني عليه عمل، ولا طائل من البحث فيه، فلا يترتب عليه اختلاف في الأحكام.
حكم الشروع في المندوب: اختلف العلماء في مسألة لزوم المندوب بالشروع فيه، على قولين: فمنهم من يرى أن المكلف إذا شرع في المندوب وجب عليه إكماله، وإن تركه وجب عليه قضاؤه، واستدل كل فريق بمجموعة من الأدلة وسنفصل في هذه الأدلة و الحجج.
الرأي الأول : يرى المالكية والحنفية أن المندوب يجب بالشروع فيه واستدلوا بما يلي:
1 – قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )[32].
2- القياس: واستدلوا بقياس المندوب على النذر، فالشروع في المندوب كالنذر، لأن النذر التزام قولي والناذر قبل النذر مخير بين الفعل وعدمه، وبعد الكلام أصبح واجبا، والمندوب كذلك لأن المكلف كان قبل الشروع فيه مخير بين الفعل والترك،وبعد الشروع ينقلب إلى واجب لأن الفعل أقوى من القول.
الجواب : هذا قياس مع الفارق لأن الناذر ألزم نفسه بما نذره، والشروع في المندوب هو أداء لبعضه بنية التطوع وليس بنية الوجوب.
الرأي الثاني : ويرى الشافعية أن المندوب لا يجب بالشروع فيه ويبقى على استحبابه ، ولا يجب إتمامه ، إن لم يتمه الفاعل فلا إثم عليه، واستدلوا بما يلي:
1 – أن المندوب يجوز للمكلف تركه في البدء فيجوز كذلك بعد الشروع فيه، والمكلف مخير بين الاستمراروالترك، فالمندوب لا يتغير حكمه حكمه بالشروع فيه.
2 – استدلوا بحديث : ( الصائم أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر )[33]
الترجيح : الراجح هو قول الشافعية ، فالمندوب لا يجب بالشروع فيه إلا الحج والعمرة الخروج منهما لقوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله )[34].
ملاحظة:
1- إن المندوبات بجملتها تعتبر مقدمة للواجبات وتُذكربها ويسهل على المكلف أداء الواجبات، لأن المكلف عندما يداوم على المندوبات يسهل عليه أداء الواجبات ويعتادها، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي: " المندوب إذا اعتبرته اعتباراً أعم وجدته خادمأ للواجب، لأنه إما مقدمةٌ له، او تذكارٌ به سواء أكان من جنسه واجب أم لا "[35]
2 - إن المندوب وإن كان غير لازم بالنظر إلى الجزء، إلا أنه لازم باعتبار الكل، بمعنى أنه لا يصح للمكلف أن يترك المندوبات جملة واحدة، فهذا قادح في عدالته، ويستحق عليه التأديب والزجر، ولهذا هم النبي عليه الصلاة والسلام أن يحرق بيوت المداومين على ترك الصلاة جماعةً، فالأذان وصلاة الجماعة وصدقة التطوع وسنة الفجر، كلها مندوبة من حيث الجزء، لازمة من حيث الكل، فلا يصحّ تركها جملةٍ.
ومنه أيضاً: النكاح، فلا يصح تركه من قِبَل الأمة كلها، لأن في هذا الترك فناءها، فهو مندوب من حيث الجزء، أي بالنسبة للأفراد، واجب بالنسبة للجماعة، فهو كأنه فرض كفاية " فترك المندوبات كلها مؤثر في أوضاع للدين إذا كان الترك دائماً، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له[36].
الحرام
تعريف الحرام:
الحرام لغة : الممتنع قوله والممنوع فعله[37]، كقول الشاعر :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذن حرام[38]
الحرام اصطلاحا : ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام ، أو هو ما يذم شرعا فاعله ويمدح تاركه.
شرح التعريف :
ما: اسم موصول، صفة لفعل المكلف.
طلب الشارع تركه: أي: الابتعاد عنه وعدم القيام به، ويدخل فيه الحرام والمكروه؛ لأن الشارع طلب تركهما، ويخرج من التعريف المباح والمندوب والواجب لعدم طلب تركها من الشارع.
على وجه الحتم والإلزام: فيخرج المكروه، ويبقى الحرام.
أسماء الحرام : المحظور،المعصية ، الذنب ، الممنوع ، القبيح، السيئة ، الفاحشة ، الإثم .
الأساليب التي تفيد التحريم :
1 – أن يكون اللفظ صريحا بالتحريم ، كقوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ...)[39] وقوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا )[40] ، ومنه قوله ص : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)[41]
2 – صيغة النهي : قال تعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ...)[42].
3 – طلب اجتناب الفعل: مثل قوله : ( يا أيها آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )[43].
ومنه قول النبي ص : ( اجتنبوا السبع الموبقات ... )[44].
4 - استعمال لفظ لا يحل : ومنه قوله تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره )[45] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )[46]، وقوله ص : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس )[47]
5 – ترتيب العقوبة على الفعل: سواء كانت العقوبة دنيوية أو أخروية أم فيهما معا، ومن الأمثله على ذكر العقوبة الدنيوية قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون )[48]، فقد أفادت الآية تحريم القذف لترتتب عقوبة الجلد.
ومن أمثله ذكر العقوبة الأخروية قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا )[49]، ومن أمثله ذكر العقوبة الأخروية والدنيوية معا قوله تعالى: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة )[50].
6 – كل لفظ يدل علىإنكار الفعل بصيغة مشددة مثل : غضب الله ، لعنه الله، أو نفي الإيمان ، كقوله ص : ( والله لا يؤمن – ثلاثا – الذي يؤمن جاره بوائقه )[51]
أقسام الحرام:
أنزل الله تعالى الشريعة الإسلامية لتحقيق ورعاية مصالح العباد في الدنيا والآخرة، فما شرع اللَّه حكمًا إلا لمصلحة، وما حرم شيئا إلا لضرره، والضررإما أن يكون راجعا إلى ذات الفعل ويسمى حرامًا لذاته، وإما أن يكون الضرر راجعا لأمر يتعلق بالمحرم، ويسمى حرامًا لغيره.
أولًا: المحرم لذاته: وهو ما حرمه الشارع ابتداء وأصالة[52]، مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير ولعب الميسر وشرب الخمر والزنا وقتل النفس وأكل أموال الناس بالباطل وزواج المحارم.
فالمحرم لذاته هو أمرغير مشروع أصلًا، لأن سبب التحريم يرجع إلى المحل أو إلى ذات الفعل، وأنه يشتمل على مفسدة ومضرة تتعلق بالمحرم نفسه، ويترتب على ذلك أن التعاقد مثلا على شيء محرم لذاته يكون باطلا، ولا يترتب عليه أثر شرعي، والحرام لا يصلح سببًا شرعيًّا، لعدم صلاحية المحل لظهور الحكم الشرعي فيه، فزواج المحارم باطل، والزنا باطل، وبيع الميتة باطل، والباطل لا يترتب عليه أثر شرعي.
ثانيًا: المحرم لغيره:
وهو ما كان مشروعًا في أصله، وحرمه الشارع لوصف خارج عن المحل، أي بسبب اقتران أمر آخر خارجي يسبب ضررا للمجتمع، فحرمه الشارع لهذا السبب[53]، مثل الصلاة في ثوب مغصوب، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة، وزواج المحلِل، والصلاة بدون طهارة، فإن الصلاة في الأول مشروعة وواجبة على المكلف، ولكن لما اقترن بها المنكر، وهو الانتفاع بالثوب المغصوب، أصبحت محرَّمة بسببه، والبيع مشروع ومباح، ولكن لما اقترن به منكر وهو الانشغال عن صلاة الجمعة صار محرمًا، وزواج المحلِّل، والغش في البيع.
وينظر العلماء إلى المحرم لغيره من جهتين متضادتين، فمن جهة أصله فهو مشروع لعدم وجود المفسدة والمضرة في محله، ومن جهة أخرى فهو حرام لما يترتب عليه من مفسدة ومضرة وهو أمر خارجي عن المحل أو الفعل، ولذا فقد اختلفت آراء الأئمة في حكم كل مسألة من المسائل السابقة، وانقسموا في تكييف أثر المحرم لغيره إلى قسمين كل منهما يرجح أحد الجانبين على الآخر، وظهر قولان:
القول الأول: يرى الحنفية أن التعاقد على المحرم لغيره يكون فاسدًا لا باطلًا، لأنهم يفرقون بين البطلان والفساد، ويرون أن الفساد مرتبة بين البطلان والصحة، وأن العقد الفاسد منعقد ولكنه غير صحيح، وأنه يجب فسخه، فإن فات ونُفذ ترتبت آثاره عليه.
القول الثاني: يرى جمهور الأئمة أن العقد على المحرم لغيره باطل كالعقد على المحرم لذاته، وأنه لا فرق بين الفساد والبطلان، وهما مرتبة واحدة، قال الآمدي: مذهب الشافعي أن المحرم بوصفه مضاد لوجوب أصله أي: إن التحريم للوصف كالتحريم للأصل تمامًا.
ونتيجة للاختلاف السابق اختلفت الأنظار في حكم كل مسألة محرمة لغيرها، ففرق الحنفية بين الصفة الجوهرية التي يتعلق بها التحريم لغيره ويكون العقد فاسدًا كالربا، وبين الصفة العارضة التي يتعلق بها التحريم لغيره، ويكون حكمها الكراهة فقط، أي: التحريمية، كالبيع وقت أذان الجمعة (.
وفرق الشافعية بين المحرم لغيره لوصف فيه كالصلاة بدون طهارة وحكمها البطلان، وبين التحريم لأمر خارج عن المحل، وحكمه الصحة مثل الطلاق في زمن الحيض، فهو صحيح لصرف التحريم إلى أمر خارج عن الطلاق وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة، وكذا الصلاة في الأوقات والأماكن المنهي عنها.
وهذا الاختلاف يرجع إلى مقتضى النهي، هل يترتب عليه الفساد أم البطلان وهل هناك فرق بين الفساد والبطلان .
وينتج عن تقسيم الحرام إلى حرام لذاته وحرام لغيره، بالإضافة إلى الاختلاف في الفساد والبطلان ينتج أمر آخر، وهو جواز استباحة المحرم في بعض الحالات، فالمحرم لذاته يباح بهدف الحفاظ على الضروريات وهي حفظ الدين والمال والنفس والعقل والعرض، فيباح الخمر للحفاظ على الحياة عند التهلكة، ويرخص بالكفر ظاهرًا للحفاظ على النفس عند الإكراه بالقتل، أما المحرم لغيره فإنه يباح من أجل الحفاظ على الضروريات السابقة، ومن أجل الحفاظ على الحاجيات، وهي التي يؤدي تركها إلى مشقة بالغة على المكلف؛ مثل كشف العورة، فتباح للحفاظ على الحياة أحيانًا، وتباح للطبيب من أجل الاستشفاء من الأمراض، وتخفيف الألم عن المريض.
المحرم المعيَّن والمخيَّر:
ينقسم المحرم باعتبار التعيين إلى قسمين، محرم معين، ومحرم مخير فالمحرم المعين هو جميع المحرمات تقريبًا التي نهى عنها الشارع، ورتب على فاعلها العقوبة، كتحريم قتل النفس وعقوق الوالدين والعبودية لغير اللَّه، ومحرم مخير وهو أن يحرم الشارع أحد الأمرين فقط، فإذا فعل أحدهما أصبح الآخر محرمًا، وأن المكلف له أن يفعل عدة أشياء إلا واحدًا منها، وهذا القسم محصور وقليل جدًّا، وله عدة أمثلة:
1 - أن يقول رجل لزوجاته: إحداكن طالق، فتحرم واحدة منهن، فإذا عاشر الزوج ثلاثًا فالرابعة محرمة، كما يجوز أن يعين إحداهن للطلاق أيضًا.
2 - النهي عن الجمع بين الأختين في وقت واحد، فالشريعة أجازت الزواج بكل منهما، لكن إذا تزوج إحدى الأختين حرمت عليه الأخرى، ما لم يطلق الأولى أو تموت، وكذلك الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها.
3 - نص القرآن الكريم والسنة الشريفة على التخيير في التحريم بين الأم وبنتها، فكل منهما يجوز الزواج منها، ولكن إذا تزوج من إحداهما حرمت عليه الأخرى قال تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ )[54].
٤ - كان العرب يجمعون بين عدد غير محدود من الزوجات ، وجاء الإسلام وبعضهم عنده عشر زوجات، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه: ( أمسك أربعًا وطلق سائرهن )[55] ، فتعدد الزوجات زيادة على الأربع زوجات حرام، ولكن لم يعين الشارع المحرمة منهن، وترك الخيار للزوج.
المكروه
تعريف المكروه
المكروه لغة: القبيح، من كَرُه الأمر مثل قَبُح، وزنًا ومعنى، وهو ضد المحبوب، والكريهة الحرب، أو الشدة في الحرب[56] .
المكروه اصطلاحا: المكروه هو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم . أو هو ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله .
فالمكروه هو الفعل الذي طلب الشارع تركه، وكان هذا الطلب بدون إلزام، مما يدل على رغبة الشارع في تركه و الابتعاد عنه، وهو ما يستحق تاركه المدح والثناء والأجر والثواب من اللَّه تعالى، أما فاعله فلا يستحق العقاب والذم، وقد يستحق اللوم والعتاب على المداومة على فعله، ومثال المكروه أكل لحم الخيل، عند الحنفية وفي قول عند المالكية[57]، وترك السنن المؤكدة، والصلاة في الأوقات المكروهة، والمكروه يقابل المندوب، ولذا يطلق على ترك المندوب، ويطلق على ترك كل مصلحة راجحة .
ملاحظة : كان السلف الصالح يطلقون المكروه على الحرام ورعا وخوفا واحتياطا على ما لم يرد تحريمه بنص صريح، وكان الإمام مالك يقول : أكره كذا وهو حرام[58]، مثل قولهم: يكره التوضؤ بآنية الذهب والفضة ، ويقصدون يحرم.
الأساليب التي تدل على الكراهة:
1 - اللفظ الصريح بالكراهة، وما يشابهها من الألفاظ التي تصرح بعدم الاستحسان، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم : ( إن اللَّه كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )[59]، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق)[60].
2 - أن ينهى الشارع عنه نهيًا مقترنًا بما يدل على صرفه إلى الكراهة، مثل قوله تعالى في كراهة السؤال عن المباح خشية أن يحرم على المؤمنين: ( لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )[61] ، والقرينة التي صرفت النهي عن التحريم إلى الكراهة هي قوله تعالى: ( وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا )[62]
3 - أن يطلب الشارع اجتنابه وتركه مع القرينة التي تدل على الكراهة دون التحريم، مثل قوله تعالى في كراهة البيع وقت النداء لصلاة الجمعة عند الحنفية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ )[63]، قال الحنفية: القرينة على صرف الطلب من التحريم إلى الكراهة أن البيع مشروع ومباح في أصله، وإنما كره لأنه يشغل عن الصلاة.
ونلاحظ أن الأساليب التي تفيد التحريم والكراهة واحدة تقريبًا وتشترك فيما بينها، فإن طلب الشارع الكف عن أمر، أو جاء النهي عامًّا، أو طلب الاجتناب مطلقًا، كان الفعل حرامًا، وإن وجدت القرينة التي تصرفه عن الحرمة كان مكروهًا، ومن القرائن اللفظية والنصية ترتيب العقوبة على الفعل أو عدم ترتيبها[64] .
حكم المكروه
إن الفعل المكروه يشتمل على بعض المفاسد، ولذا ترجح طلب تركه على طلب فعله، ولكنه لم يصل إلى درجة الحرام، وإن فاعله لا يستحق العذاب والعقاب في الدنيا والآخرة، وقد يستحق اللوم والعتاب على فعله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني )[65]، وتارك المكروه يمدح ويثاب إذا نوى به التقرب إلى اللَّه تعالى.
ويتفرع عن بحث المكروه عدة أحكام هي:
1- اختلف العلماء في المكروه، هل هو منهيٌّ عنه أم لا؟
كما اختلفوا في المندوب هل هو مأمور به أم لا؟ والجمهور على المكروه منهي عنه حقيقة، خلافًا للحنفية، كما أن المندوب مأمور به، والأدلة واحدة، والخلاف واحد، وقد سبق الكلام عنه في المندوب.
2 - اختلف العلماء في المكروه هل يعتبر حكمًا تكليفيًّا أم لا؟
ذهب الجمهور إلى أنه ليس تكليفًا، لأن تركه ليس إلزامًا، ولا كلفة فيه، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني: إنه تكليف، والأدلة نفسها التي سبقت في المندوب.
وخلاصة القول: إن المكروه مع المحرم كالمندوب مع الواجب.
ملاحظة : إن الحنفية يقسمون المكروه إلى قسمين، مكروه تحريمي ومكروه تنزيهي، والمكروه التحريمي هو ما طلب الشارع تركه طلبًا جازمًا بدليل ظني مثل لبس الحرير والذهب على الرجال الثابت بحديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ( هذان حرام على رجال أمتي حلٌّ لإناثهم )[66]، والبيع على بيع الآخر، والخطبة على خطبة غيره،
وحكمه أنه قسم للمحرم وليس قسم للمكروه، وهو قسم من الحرام عند الإمام أبي حنيفة والإمام أبي يوسف، وإن أطلق عليه لفظ المكروه، ويأخذ أحكام الحرام من تحريم للفعل وطلب الترك واستحقاق العقاب على الفعل، ولكن لا يكفر جاحده.
والمكروه التنزيهي هو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم، وحكمه مثل حكم المكروه المذكور عند الجمهور سابقًا، وأن فاعله يخالف الأولى في المكروه، مثل الوضوء من سؤر سباع الطير، وأكل لحوم الخيل .
٤ - قسم بعض الشافعية المكروه إلى قسمين، بحسب الدليل في النهي، فإن كان النهي غير الجازم مخصوصًا بأمر معين فهو مكروه، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )[67] ومثل النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، فإنها خلقت للشياطين ، وإن كان النهي غير الجازم غير مخصوص بأمر معين فيكون فعله خلاف الأولى، كالنهي عن ترك المندوبات وإفطار المسافر في رمضان[68].
المباح
تعريف المباح:
المباح لغة : اسم مفعول من أباح، وهو المسموح، وهو ضد المحظور، أبحتك الشيء أحللته لك[69]، والإباحة التخلية بين الشيء وطالبه.
المباح اصطلاحا: هو ما خيَّر الشارعُ المكلَّف بين فعله وتركه[70]، فلم يطلب الشارع من المكلف أن يفعل هذا الفعل ولم يطلب منه أن يكف عنه.
الأساليب الدالة على الإباحة :
النص على الإباحة : تثبت إباحة الفعل بالنص الشرعي على إباحته، فيرد النص
برفع الإثم أو الحرج على الفعل، فيدل بهذا الأسلوب على إباحته كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا
اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا
إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ )[71] وقوله تعالى: ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ
اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )[72] ، وكقوله سبحانه وتعالى وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء)[73] ،
الأمر المقترن بقرينة تدل على الإباحة: كما جاء أمرالشارع بفعل ودلت القرائن على أن الأمر للإباحة كقوله تعالى: ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ )[74] وكقوله سبحانه ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ )[75] ، ، وكقوله: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل )[76] لأن الأمر بعد النهي يدل على الإباحة.
الإباحة الأصلية: و تثبت إباحة الفعل بالإباحة الأصلية، فإذا لم يرد من الشارع نص على حكم الفعل، ولم يقم دليلٌ شرعيٌ آخر على حكم فيه كان هذا مباحا بالبراءة الأصلية لأن الأصل في الأشياء المباحة، فنحكم على العقد أو التصرف أو الفعل بالإباحة.
والأدلة على قاعدة الإباحة الأصلية كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية قال تعالى : (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )[77] ، وقال تعالى : (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه )[78] ويقول الرسول ص : (إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء، رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنه ).[79]
ويقول ص : ( ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم )[80].
[1] سورة هود آية 91 .
[2] سورة طه آية 27 .
[3] سورة الإسراء آية 44 .
[4] القاضي عبد الله بن عمرالبيضاوي ، منهاج الأصول إلى علم الأصول ، ص 3 ..
[5] النساء آية 11 .
[6] المائدة آية 3
[7] البقرة آية 216 .
[8] متفق عليه .
[9] عبد الوهاب خلاف ، علم أصول الفقه ، دار الفكر العربي ، د ط ، د ت ، ص 14 .
[10] - المائدة 3 .
[11] - الأنعام آية 145 .
[12] - صحيح رواه أبوداود والترمذي
[13] - البخاري ومسلم
[14] عبد الكريم النملة ، كتاب الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح، مكتبة الرشيد، الرياض ، ط 1 ، 2000 ، ص19
[15] عبد الكريم النملة ، مرجع سابق ، ص 19 .
[16] عبد الكريم النملة، ص 19 .
[17] الحج 36
[18] عبد الكريم زيدان ، الوجيز في أصول الفقه ، مؤسسة الرسالة ، ص 29 .
[19] عبد الكريم النملة ، مرجع سابق ، ص 23 .
[20] عبد الكريم النملة ، ص 24 .
[21] عبد الوهاب خلاف ، أصول الفقه ، ص 109 .
[22] - لسان العرب ، ج 1 ، ص 754 .
[23] - الشاعر قريط بن أنيف التميمي، شاعر جاهلي ، الزركلي ، الأعلام حرف القاف .
[24] - البقرة:282
[25] - البقرة:183
[26] - النور:33
[27] - النسائي وابن ماجة .
[28] - رواه أحمد والبيهقي والطبراني .
[29] - رواه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي .
[30] - رواه مسلم والترمذي والحاكم .
[31] - رواه البخاري ومسلم .
[32] - محمد آية 33 .
[33] - رواه أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم .
[34] - البقرة آية 196 .
[35] - الموافقات ، الشاطبي ، ج 1 ، ص 151 .
[36] - الموافقات ، الشاطبي ، ج 1 ، ص 132 ، 133 .
[37] - الفيومي أحمد ،المصباح المنير، ج 1،ص 180 ، أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 1 ، ص 482 .
[38] جرير
[39] - النساء آية 23 .
[40] - البقرة آية 275 .
[41] - رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة .
[42] - الأنعام آية 151 .
[43] - المائدة آية 90.
[44] - متفق عليه .
[45] - البقرة آية 230 .
[46] - النساء 19 .
[47] - رواه أحمد وابن حبان
[48] - النور آية 4 .
[49] - النساء 23 .
[50] - النور آية 19 .
[51] - أخرجه البخاري معلقا .ومسلم .
[52] - محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه ، ج 1 ، ص 354 .
[53] - المرجع نفسه ، ج 1 ، ص 355 .
[54] - النساء 23 .
[55] - صحيح الترمذي وأحمد وابن ماجه .
[56] - المصباح المنير ، ج 2 ، ص 829 .
[57] - وقيل جائز ( العدوي ،حاشية العدوي على شرح الخرشي على مختصر خليل ، دار الفكر ، بيروت ، ج 3 ، ص 30 .)
[58] - ابن القيم الجوزية ، إعلام الموقعين ، ج 2 ، ص 79 .
[59] - البخاري ومسلم .
[60] - أبوحاتم والبيهقي،
[61] - المائدة: 101 .
[62] - المائدة: 101 .
[63] - الجمعة: 9 .
[64] - وهبة الزحيلي، الوسيط في أصول الفقه الإسلامي، ج ، ص
[65] - متفق عليه .
[66] - أبوداود والنسائي وابن ماجة .
[67] - متفق عليه .
[68] عبد الكريم زيدان ، الوجيز في أصول الفقه ، ج 1 ، ص 370- 371 .
[69] - ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، ج 1 ، ص 316 ، مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 1 ، ص 17 .
[70] - الجويني أبو المعالي ، التلخيص في أصول الفقه ، ج 1 ، ص 250 .
[71] - البقرة آية 203 .
[72] - البقرة: 299 .
[73] - البقرة: 235 .
[74][74] - المائدة 2 .
[75] - الجمعة 10 .
[76] - البقرة 187
[77] - البقرة آية 29 .
[78] - الجاثية آية 13 .
[79] - الدارقطني والبيهقي والحاكم .
[80] - البخاري ومسلم .
لا يخفى أن تطور الدول يقاس باقتصادها ،وكلما كان اقتصادها قويا كانت أقدر على تجاوز الأزمات ،وهذا ما تسعى إليه الدول الكبرى ،وأكيد أنّ الاقتصاد يخضع لنظام قانوني محكم يؤطر الهياكل والتعاملات بما في ذلك العلاقات الاقتصادية وطريقة تسيير الاقتصاد سواء كان بيد الدولة أو بيد الخواص.
ولعل تدخل الدولة أمر لم تسلم منه المنظومات الاقتصادية فيما مضى خصوصا حينما أثبتت المبادرات الخاصة في فرنسا محدودية قدرتها على السير بالاقتصاد قدما ،الى أن حتّمت الضرورات الاقتصادية انسحاب الدولة تاركة المجال أمام اقتصاد السوق وهذا الواقع عاشته الجزائر ابتداء من التسيير الاشتراكي الذي يتميز باحتكار الدولة للاقتصاد بكل نشاطه،وصولا الى التسيير الليبيرالي الذي يفرض اقتصاد السوق.
وفي خضم هذه التغيرات من الواجب أن تستحدث أيضا القواعد القانونية والأنظمة التي تساير الأوضاع الجديدة ،إضافة الى الهياكل التي تساهم في تأطير هذه المستجدات والقانون الاقتصادي هو المعني بذلك فالقانون توأم لكل مجال كي لا تسود الفوضى ،لذلك نجده ينظم الاقتصاد مثلما ينظم غيره ،فقد ساير النظام الاشتراكي بالقواعد التي تملي الاشتراك في وسائل الإنتاج ومركزية القرارات ،في حين طابق انفتاح الاقتصاد بتثمين المبادرة الخاصة وحمايتها وتنظيمها ورسم حدودها التي لا يجب أن تتجاوزها.
وإجمالا يمكن تعريف القانون العام الاقتصادي كفرع من فروع القانون الحديثة على المستويين المحلي والدولي الذي يسعى لتأطير المجال الاقتصادي ويظبط العلاقة بين أطرافه .
والقانون العام الاقتصادي الجزائري أحد الروافد التي تأثرت بالتغيرات على الصعيد الداخلي والخارجي ،مثلها مثل غيرها من الدولCe cours s'adresse aux étudiants de master du système LMD dans le domaine des sciences et de la technologie, spécialité : énergies renouvelables. En général, l'objectif est de fournir aux étudiants les connaissances et les compétences nécessaires pour comprendre les systèmes multi-sources d'énergie renouvelable, qui comprennent plusieurs sources d'énergie verte renouvelable telles que le solaire, l'éolien, l'hydroélectricité, la biomasse, etc., pour répondre à la demande en énergie d'un système spécifique, qu'il soit autonome ou connecté au réseau électrique. Ces systèmes incluent généralement plusieurs composants spécialisés pour la conversion, le stockage et la gestion de l'énergie, ainsi que des systèmes de contrôle et de surveillance. L'objectif principal de cette unité est d'améliorer l'utilisation des ressources énergétiques disponibles tout en garantissant un approvisionnement électrique stable et fiable, contribuant ainsi à la durabilité et à la résilience du système énergétique dans lequel il est intégré.
مقياس الاتصال والتحرير الإداري (Communication and Administrative Writing Module) هو إحدى مساقات الدراسات الإدارية، والذي تهدف إلى تنمية مهارات الطلبة في الاتصال الفعال والكتابة الإدارية الصحيحة والمؤثرة. تعتبر هذه المادة أساسية لطلبة علوم التسيير خصوصا وبالأخص إدارة الأعمال.
بشكل عام، تساعد مادة الاتصال والتحرير الإداري في تحسين مهارات الاتصال والكتابة الإدارية لدى الطلبة ، وتزودهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات المختلفة في العمل الإداري بكفاءة وفعالية. هو مقياس يستخدم لاكتساب مهارات الاتصال الكتابي والتحرير الإداري لتأهيل الطلبة للتقدم للوظائف في القطاع العام والخاص، وتتيح أمامهم التعرف على أهم المحررات الإدارية ونماذج الرسائل التجارية.
Les équations différentielles ordinaires (EDO), sont très importantes dans l’application de certains phénomènes réels, car un grand nombre de lois et de relations physiques sont modélisées en mathématiques par des équations différentielles. L’usage de ces équations vise à décrire le comportement des systèmes évoluant dans le temps. Une équations différentielle est une relation entre une ou plusieurs fonctions et leurs dérivées. L’ordre d’une équation différentielle est le degré maximal de différentiation d’une de ces fonctions. Ici l’inconnue sera une fonction. Bien qu’il existe plusieurs méthodes de résolution des équations différentielles, un grand nombre d’entre elles ne peut être résolu explicitement jusqu’à présent, c’est pour ça qu’on s’oriente vers l’étude qualitative des équations différentielles ; à savoir l’étude de l’existence et stabilité des solutions des EDO.
مر الحكم الفرنسي في الجزائر بمرحلتين ، مرحلة الحكم العسكري 1830 إلى غاية 1870 و شهدت فيها الجزائر حملة شرسة عسكرية طبق فيها اسلوب القمع العسكري ، و المرحلة الثانية عرفت بمرحلة الحكم المدني وامتدت من 1870 إلى غاية 1962وعرفت بمرحلة حكم الكلون وكانت اشد من سابقتها فقد انتهجت فيها اسلوب القمع و الابادة و بمختلف الاأساليب.
إن المنطق المتعدد القيم منطق معاصر، تم تشييده من أجل تجاوز المشكلات الابستمولوجية التي وقفت أمام المنطق الرياضي الكلاسيكي الثنائي القيم، نتيجة عجز هذا الأخير عن حل معضلات أفرزها العلم المعاصر ، مثل ما ترتب من نتائج عن المعادلة الإرتيابية التي اكتشفها هايزنبرج والتي بموجبها أصبحت الميكروفيزياء مجالا للاحتمية والاحتمال والشك. لذلك عمد مؤسسي هذا المنطق المتعدد من أجل المحافظة على اليقين من جهة، والقضاء على المذهب الحتمي الذي يؤطره المنطق الثنائي من جهة أخرى ، إلى رفض أن يبنى المنطق على قيمتين للصدق فقط. بل لابد أن تكون له أكثر من قيمتين، ذلك أنه وحسبهم أن ذلك سيٌمكن من تجاوز تلك المشكلات المعلنة أعلاه. وفعلا ونتيجة ذلك ظهرت أساق منطقية بثلاثة قيم وبأربعة وبخمسة بل وظهر المنطق اللانهائي القيم ، لكن هذا المنطق نفسه اصطدم بمشاكل ابستمولوجية اعترضت نتائجه، تعلقت بالغموض الذي ارتبط بمبدإ الثالث المرفوع ، ليظهر منطق متعدد جديد هو المنطق الضبابي أو الغائم. إننا في هذا المقياس سنقوم ببسط وعرض هذا المنطق تحليلا ونقد لمفاهيم ومبادئ وطرائق البرهان لديه وللمشكلات الابستمولوجية المترتبة عن نتائجه.
وفي هذه المحاضرة سنتناول بالتحليل والنقد نسق كورنر الثلاثي القيم.
Mathématiques 2: Résumé de cours, Exercices avec Solutions
Cet ouvrage est dédié aux étudiants premières années pour les disciplines:
· Sciences et technologies.
· Sciences de la Matières
· Math et informatique.
Qui va permettre aux étudiants de construire une base très forte en mathématiques en qualité d’observation, d’analyse et réflexion de calcul pour les réparés aux futures spécialités d’ingénieur, qui va couvre l'ensemble des unités d'enseignement du programme pédagogique national.
Semestre : 2
Matière: Mathématique 2
VHS: Cours: 1h30, TD: 1h30
Crédits: 6
Coefficient: 3

Objectifs de l’enseignement: Ce module permet d’introduire les notions de base de l’algèbre et de la théorie des ensembles.
Ce cours Cible les étudiants de: est dédié aux étudiants premières années pour les disciplines: Sciences et technologies, Sciences de la Matières et Math et informatique, l’étudiant devra posséder les connaissances de module Mathématique u niveau secondaire.

Course information🙂
Faculty: Exact and Computer Sciences
Department: Matter Sciences
Course title: Chemistry I
Credit :06
Coefficient :03
Duration: 15 Week (67.5 h)
Schedule: Tuesdays and Sundays: 08h30-10h00
Room: Amphi B
Teacher: Dr. Regadia AISSAOUI
Contact: by e-mail at r.aissaoui@univ-djelfa.dz.
Availability:
In the office: Sunday, Tuesday, Thursday from 11:00 to 12:00
Answer on the forum: any question related to the course must be posted on the dedicated forum so that you can all benefit from my answer. I undertake to answer posted questions within 48 hours.
By e-mail: I undertake to reply by e-mail within 48 hours of receipt of the message, except in the case of unforeseen circumstances. I would like to inform you that the preferred channel of communication is the forum. E-mail is reserved for "emergencies" (in the event of problems accessing the platform) and should be used with discretion.
Course presentation🙂
This course is designed to serve as an excellent educational resource for undergraduate students, particularly those pursuing a first degree in science (L1). Its primary focus is on providing comprehensive instruction in general chemistry within the context of matter sciences and technology, as well as related fields such as medical and biological sciences. The curriculum for Science and Technology students delineates this course into six distinct chapters.
Chapter I: Fundamental Concepts
Chapter II: Fundamental Components of Matter
Chapter III: Radioactivity and Nuclear Reactions.
Chapter IV: The Electronic Structure of the Atom
Chapter V: The Periodic Classification of Elements
Chapter VI: The Nature of Chemical Bond
Picture 2 – The most important
chapters and topics in the matter structure module👌
Learning objectives: 😃
This module is the fundamental basis for learning chemistry in the various modules that follow it in the first-year program.
The skills targeted through this module are:
1) The ability to define and understand Matter.
Learners should be able to define and understand matter with its basic components, the most important of which is the atom, and to relate the physical and chemical properties of different atoms and chemical elements to their electronic structure.
They are able to relate the physical and chemical properties of different atoms and chemical elements to their electronic structure.
On completion of this module, the learner will be able to:
2) Distinguish between matter, its physical states and its basic components, and recognize the relationship between them (molecule-atom).
3) Understand the various physical and chemical theories and experiments that led to the discovery of the various components of the atom, from the nucleus to the electron.
4) Apply the various theories to radioactive nuclei and study their effectiveness.
5) Analyze the most important theories relating to the movement and trajectory of the electron in the atom and Bohr's atomic model.
6) Compare the different chemical elements of the periodic table and deduce their physical and chemical properties.
7) Know how to designate chemical bonds according to Lewis’s theory and know the geometries of molecules in space.
These learning objectives for the structure of matter module can be summarized as follows:
Picture 2 – Educational Objectives of the Matter Structure Module

يعتبر مقياس مالية المؤسسة من أهم المقاييس الموجهة لطلبة السنة الثانية ليساني في قسم