بعد الانتهاء من دراسة دعاوى المشروعية ( دعوى إلغاء القرار الإداري ودعوى فحص مشروعية القرار الإداري ودعوى تفسير القرار الإداري ) نمر لدراسة أهم دعاوى القضاء الكامل ، فكل دعوى غير دعاوى المشروعية الثلاثة تدخل كلها في دعاوى القضاء الكامل ، ولقد تم اعتماد هذا المصطلح في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 800 منه ، وبما أن دعاوي القضاء الكامل كثيرة جدا تقتصر الدراسة على أهم دعاوي القضاء الكامل آلا وهي دعوى التعويض أو دعوى المسؤولية الإدارية ، وهي الدعوى التي تهدف إلى ترتيب المسؤولية الإدارية على الإدارة العامة والحكم عليها بدفع تعويض لجبر الأضرار الناجمة عن نشاطها الإداري ، وتتميز هذه المسؤولية الإدارية بتعدد أسسها كما سوف نرى لاحقا ، وللإحاطة بمفهوم دعوى التعويض الإداري أو دعوى المسؤولية الإدارية نحاول التطرق إلى تعريفها واستنباط خصائصها ، وبعد ذلك نميزها عن دعوى الإلغاء لنتطرق بعدها لدراسة مختلف شروط رفعها وقبولها والآثار مترتبة عنها مع دراسة مختلف أسسها وتطبيقاتها .

أولا : تعريف دعوى التعويض وخصائصها وتمييزها عن دعوى الإلغاء

01/ تعريف دعوى التعويض أو دعوى المسؤولية الإدارية وخصائصها

أ / تعريف دعوى التعويض : هي دعوى قضائية إدارية يرفعها ذوي الصفة والمصلحة وفقا للإجراءات والأشكال المحددة قانونا أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة نوعيا وإقليميا للمطالبة بتعويض كامل وعادل لجبر الأضرار اللاحقة بحقوقه الشخصية جراء النشاط الإداري الضار

ب / خصائص دعوى التعويض

دعوى تعويض دعوى قضائية : فهي ليست تظلم إداري أو طعن إداري ، بل هي دعوى ترفع وفقا للإجراءات والأشكال المحددة قانونا أمام الجهة القضائية المختصة نوعيا وإقليميا ، والجهة القضائية المختصة بالنظر في هذه الدعوى هي المحكمة الإدارية باعتبارها صاحبة الولاية العامة ، حيث يتم رفع الدعوى كأول درجة أمامها وهو ما نصت عليه المادة 800 والمادة 801 من قانون إجراءات مدنية وإدارية ، ولقد استثنت المادة 802 من قانون إجراءات المدنية والإدارية بعض الدعوى التي تدخل في دعاوى القضاء الكامل من اختصاص المحكمة الإدارية ومن اختصاص القاضي الإداري وجعلتها من اختصاص القاضي العادي ، وهذه المنازعات تتمثل في :

  • مخالفات الطرق
  • المسؤولية الرامية إلى التعويض عن الأضرار الناشئة عن المركبات التابعة للإدارة العامة

كما يجب احترام قواعد الاختصاص الإقليمي المنصوص عليها في المادتين 803 و804 من قانون إجراءات المدنية والإدارية ، حيث أن القاعدة العامة في تحديد الاختصاص الإقليمي هي ذاتها القاعدة العامة المكرسة في القضاء العادي طبقا للمادتين 37 و 38 ، أي أن المحكمة الإدارية المختصة بنظر دعوى التعويض الإداري هي المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه ، مع ضرورة احترام الحالات الخاصة المنصوص عليها في المادة 804 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية

دعوى التعويض دعوى شخصية ذاتية : وهذا على عكس دعوى الإلغاء التي تعتبر دعوى عينية موضوعية ، فدعوى التعويض الإداري دعوى شخصية ذاتية تهدف إلى حماية الحقوق والمراكز الخاصة للمتضرر وجبر أضراره وحماية حقوقه المكتسبة بمنحة تعويضا ماديا ومعنويا ، فهذه الدعاوى تهاجم الإدارة العامة المتسببة في إحداث الضرر ولا تهاجم النشاط الإداري أضار نفسه

دعوى التعويض دعوى مسؤولية : فهي الدعوى التي تهدف إلى ترتيب المسؤولية الإدارة للإدارة العامة عن أفعالها الضارة ، وعرف مبدأ المسؤولية هذا تطورا عبر التاريخ ، حيث أن الدولة وفي بداية نشأتها لم تكن تسأل عن أعمالها الضارة على اعتبار أنها تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ، ولكن بمرور الزمن وعرض العديد من القضايا على القضاء الإداري بما فيها قضية بلانكو تم الإقرار بمبدأ مسؤولية الإدارة العامة على أساس الخطأ عن الأضرار التي أحدثتها ، واستمر التطور شيئا فشيئا إلى أن أصبحت الإدارة العامة تسأل حتى بدون خطأ وفقا لأسس أخرى سندرسها لاحقا .

دعوى التعويض الإداري هي من دعاوى القضاء الكامل : فتدخل دعوى التعويض الإداري ضمن دعوى القضاء الكامل أو الشامل ولا تعتبر من دعاوى المشروعية ، وما يؤكد ذلك هو اتساع سلطات القاضي الإداري في هذه الدعوى وهذا على خلاف دعوى الإلغاء التي لا يتمتع فيها القاضي الإداري إلا بسلطات محدودة

دعوى التعويض الإداري هي من دعاوى الحقوق : فهي من دعاوى قضاء الحقوق وليست من دعاوى قضاء المشروعية ، حيث تهدف إلى حماية حقوق المتضرر ومنحه التعويض ومنحه مزايا عينية مالية ومعنوية لجبر أضراره وحماية حقوقه المكتسبة ومراكزه القانونية الخاصة

02 / التمييز بين دعوى التعويض الإداري ودعوى الإلغاء

من حيث طبيعة وموضوع كل دعوى : دعوى الإلغاء دعوى عينية موضوعية تهاجم القرار الإداري غير المشروع ، أما دعوى التعويض الإداري فهي دعوى شخصية ذاتية تهدف إلى حماية حقوق المتضرر وجبر أضراره ، فهي مواجهة ضد الإدارة العامة وليس ضد النشاط الإداري الضار

من حيث سلطات القاضي الإداري في كل دعوى : سلطات قاضي الإلغاء محدودة جدا ، حيث تقتصر على فحص القرار الإداري والتصريح بمشروعيته أو بعدم مشروعيته وفي هذه الحالة الأخيرة له إلغاءه وليس له أن يصدر قرارا إداريا مكان القرار الملغى وليس من حقه توجيه أوامر للإدارة لتصدر قرارا إداريا جديدا ، فالقاضي الإداري في دعوى الإلغاء يقضي ولا يدير ، أما سلطات قاضي التعويض فهي سلطات واسعة يمكنه إجراء التحقيقات والمعاينات ويمكنه توجيه أوامر للإدارة العامة بإعادة الوضع إلى ما كان عليه جبرا للضرر ، ويمكنه تقدير الضرر وتقدير التعويض ، فسلطاته تبقى واسعة جدا بالمقارنة مع سلطات قاضي الإلغاء .

من حيث أجل رفع كل دعوى : كقاعدة عامة ترفع دعوى الإلغاء في أجل أربعة (04) أشهر من تاريخ العلم بالقرار الإداري أي من تبليغه إذا كان فرديا ومن نشره إذا كان تنظيما ، في حين لا تتقيد دعوى التعويض بأي أجل فيمكن رفعها في أي وقت طالما لم يتقادم الحق الذي تحميه هذه الدعوى فإذا تقادم هذا الأخير سقطت دعوى التعويض بالتبعية .

من حيث حجية الحكم القضائي الفاصل في كل دعوى : يتميز الحكم القاضي بإلغاء القرار الإداري في دعوى الإلغاء بحجية مطلقة ، حيث ينتج أثره على الكافة ويلتزم الجميع بمقتضيته ، ولا يقتصر أثره على أطراف النزاع ، في حين أن حجية الحكم القضائي في دعوى التعويض حجية محدودة ونسبية يقتصر أثاره على طرفي الدعوى دون أن تمتد هذه الآثار إلى الغير ، ولا يستطيع أي شخص غير أطراف التمسك بهذا الحكم القضائي .

هل يمكن الجمع بين طلب التعويض وطلب الإلغاء في دعوى واحده أمام نفس القاضي ؟

أمام انعدام نص قانوني يمنع أو يجيز هذا الجمع ، انقسم الفقه إلى اتجاهين : يرى الاتجاه الأول عدم جواز الجمع بين الدعويين بسبب أولا عدم وجود نص قانوني يجيز ذلك وثانيا بسبب اختلاف الدعويين من حيث الخصائص والشروط ومن ثم لا يمكن الجمع بينهما ، في حين ذهب الاتجاه الثاني وهو الاتجاه الراجح والذي استقر القضاء على الأخذ به ، انه يمكن الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في دعوى واحدة أمام نفس القاضي ألا وهو قاضي الإلغاء ، شريطة أن لا يؤدي هذا الجمع إلى تخلف شروط كل من الدعويين و شريطة أن يكون الطلب الأصلي هو طلب الإلغاء والطلب الإضافي هو طلب التعويض ، وأن يكون القاضي الذي ينظر في هذه الدعوى هو قاضي الإلغاء وليس قاضي التعويض

 ثانيا : شروط دعوى التعويض الإداري

نتطرق فيما يلي إلى الشروط الشكلية لرفع دعوى التعويض أو دعوى المسؤولية الإدارية ثم إلى شروطها الموضوعية وذلك على النحو التالي :

01 / الشروط الشكلية لدعوى التعويض الإداري

الاختصاص القضائي للنظر في دعوى التعويض الإداري : بالنسبة للاختصاص النوعي فيعود للمحكمة الإدارية كأول درجة النظر في دعوى القضاء الكامل بما فيها دعوى التعويض الإداري ، وهذا طبقا لنص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حيث تفصل هذه المحكمة بحكم قابل للاستئناف أمام المحاكم الإدارية للاستئناف ، إلا أن هناك استثناء تشريعي وارد على هذه القاعدة حيث أن هناك مجموعة من دعاوى التعويض الإداري - ورغم أنها منازعات إدارية انطلاقا من المعيار العضوي وكذا المادي - تخرج من اختصاص القاضي الإداري وتدخل في اختصاص القاضي العادي وهذا طبقا لنص مادة 802 وتتعلق هذه الدعاوى بمخالفات الطرق والمسؤولية الرامية إلى الحصول على تعويض الأضرار الناجمة عن المركبات التابعة للإدارة العامة ويعتبر هذا الاستثناء استثناء تشريعيا

أما الاختصاص الإقليمي فقد تم تحديده بموجب المادتين 803 و804 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فالقاعدة العامة طبقا للمادة 803 هي ذاتها القاعدة العامة المعمول بها في القضاء العادي حيث أحالت المادة إلى المادتين 37 و 38 محددة الاختصاص الإقليمي للمحكمة الإدارية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه ، أي الإدارة العامة محدثة أضرر ، في حين حددت المادة 804 قواعد خاصة في بعض المنازعات مسندة الاختصاص إلى محاكم إدارية معينة والمعلوم أن الخاص يقيد العام أي في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 804 لابد من الالتزام بالاختصاص المنصوص عليه في هذه المادة وفيما عداها تطبق القاعدة العامة .

شروط رافع الدعوى وعريضة افتتاحها : كغيرها من الدعاوى يشترط في رافع الدعوى الصفة والمصلحة والإذن إذا تطلبه القانون طبقا للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، والملاحظ أنه في دعوى التعويض يتعامل قاضي التعويض بشدة عند مراقبة هذه الشروط ولا يتوسع في قبولها ولا يتعامل معها بمرونة ، لان هذه الدعوى دعوى شخصية ذاتية على خلاف قاضي الإلغاء الذي يتوسع في مراقبة هذه الشروط لان هدفه بالدرجة الأولى حماية مبدأ المشروعية فدعوى الإلغاء دعوى عينية موضوعية كما شرحنا من قبل ، أي أن شرط المصلحة في دعوى التعويض شرط ابتداء واستمرار في حين يمكن أن تكون المصلحة في دعوى الإلغاء شرط ابتدائي فقد ولا يتشدد قاضي الإلغاء في ضرورة استمرار توفر شرط المصلحة طيلة الفصل في الدعوى .

وفيما يخص عريضة افتتاح الدعوى فيجب أن تتضمن البيانات التي شرحناها فيما سبق والمنصوص عليها في الماده 816 ، والتمثيل بمحامي جوازي أمام المحكمة الإدارية ، أما في حالة الاستئناف أو النقض فالتمثيل بمحامي يكون وجوبيا باستثناء الإدارة العامة التي تعفى من التمثيل بمحامي في كل درجات القضاء الإداري .

أجل رفع دعوى التعويض الإداري : قد تطرقنا لهذا الشرط من قبل وبينا أن دعوى التعويض الإداري لا تتقيد لرفعها بأجل محدد بل يمكن رفعها في أي وقت طالما كان الحق الذي تسعى إلى حمايته قائما وموجودا ولم يتقادم أي أن دعوى التعويض لا يفوت أجلها إلا إذا تقادم الحق الذي تحميه فهنا وبالتبعية تسقط دعوى التعويض ، وهذا على خلاف رفع دعوى الإلغاء المقيد بأجل أربع (04) أشهر من تاريخ العلمي بالقرار الإداري .

02 / الشروط الموضوعية لدعوى التعويض الإداري أو المسؤولية الإدارية ( أركان المسؤولية الإدارية )

تتحمل الإدارة العامة مسؤولية التعويض عن الاضرار الناجمة عن نشاطها الإداري الضار ، ومع التطور الذي شهدته المسؤولية الإدارية للإدارة العامة فإن هناك نوعين من المسؤولية الإدارية التي تتحملها الإدارة العامة ، وتختلف هذه الأنواع باختلاف الأسس التي تقوم عليها فقد ترتكب الإدارة أخطاء مرفقية تتسبب في إلحاق أضرار معينة للأشخاص فهنا نكون أمام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ القائمة على ثلاث أركان هي الخطأ المرفقي والضرر والعلاقة السببية .

كما يمكن أن تتحمل الإدارة العامة التعويض عن الأضرار الناجمة عن نشاطاتها الإدارية وإن لم تكن خطأ ، بمعنى ولو كانت هذه الأنشطة مشروعة ولا تنطوي على خطأ أو كانت تنطوي على خطأ ولكن المدعي غير ملزم بإثبات هذا الخطأ وهذا ما يعرف بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ ، والتي تقوم على مجموعة من الأسس - سندرسها لاحقا - ، فتقوم هذه المسؤولية إذن على إثبات الضرر والعلاقة السببية بين هذا الضرر والنشاط الإداري الضار ، والإثبات يقع دائما على المدعي "فالبينة على من إدعى" .

وعليه ففي المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ يلتزم رافع الدعوى بإثبات الخطأ وليس أي خطأ بل يجب أن يكون الخطأ خطأ مرفيا ، وإثبات الضرر بجميع شروطه التي تختلف نوعا ما عن شروط الضرر في المسؤولية الإدارية بدون خطأ ، وكذلك عليه إثبات العلاقة السببية التي تربط الضرر بالخطأ المرفقي.

أما في المسؤولية الإدارية بدون خطأ فعليه كذلك أن يثبت الضرر بشروطه المختلفة قليلا عن شروط الضرر في المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ - كما سوف نرى - ، ويثبت العلاقة السببية بين هذا ضرر والنشاط الإداري الضار .

وعليه نشرح كل شرط على النحو التالي :

أ / الخطأ المرفقي :

لقيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ لابد من إثبات أولا وقوع الخطأ المرفقي ، صحيح أن كل الأخطاء يرتكبها الموظف العمومي ولا يمكن تصور أن ترتكب الإدارة العامة خطأ ، ذلك لأنها مجرد شخص معنوي إلا أن أخطاء هذا الموظف تصنف إلى أخطاء تنسب إليه ويتحمل هو مسؤوليتها الشخصية ويدفع التعويض من ذمته المالية الخاصة به والنزاع هنا يكون من إختصاص القاضي العادي ، في حين تنسب أخطاء أخرى إرتكبها الموظف العام للإدارة العامة وتسمى هذه الأخطاء بالأخطاء المرفقية ، تتحمل الإدارة العامة مسؤولية التعويض عنها من ذمتها المالية أي من خزينة الدولة ، ويتم الفصل في النزاع المتعلق بهذا التعويض أمام القاضي الإداري ، ومبرر إعفاء الموظف العام من تحمل مسؤولية جميع الأخطاء التي يرتكبها راجع إلى مبررين هما :

أولا : إن تحميل الموظف المسؤولية على كل خطأ يرتكبه يجعله يتهاون في أداء مهامه خوفا من الوقوع في الخطأ وتحمل مسؤولية ذلك ، لهذا ولتوفير الاستقرار والجو المناسب لأداء مهامه تنسب بعض الأخطاء التي يرتكبها أثناء أدائه لوظيفته للإدارة العامة وتتحمل هي مسؤوليتها ، أما إذا كانت الأخطاء أخطاء ما كان ينبغي مثلا للموظف أن يقع فيها أثناء أداء وظيفته فتنسب إليه شخصيا

ثانيا : أن الذمة المالية للموظف العام محدودة وضعيفة بالمقارنة مع الذمة المالية للإدارة العامة ، حيث يكون التعويض أيسر وأسهل بكثير

لذا لابد من التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي للنتائج المترتبة عنهما ، فكما قلنا الخطأ الشخصي ينسب إلى الموظف العام ويتحمل المسؤولية الشخصية المدنية عنها وتنظر الدعوى أمام القاضي العادي ويدفع التعويض من ذمته المالية الخاصة ، أما إذا كان الخطأ مرفقيا أي ينسب إلى الإدارة العامة وتتحمل بسببه المسؤولية الإدارية التي يفصل فيها القاضي الإداري وتدفع التعويض من الخزينة العامة ، ومن هنا لابد من تحديد المقصود بالخطأ المرفقي كأساس للمسؤولية الإدارية وتميزه عن الخطأ الشخصي

وللخطأ بصفة عامة تعاريف عديدة منها أن الخطأ هو إخلال بإلتزام سابق مع توفر المخل على الإدراك والتمييز ، أو هو كل فعل غير مشروع ألحق ضررا بحقوق معينة ، وهذا سواء كان الخطأ عملا سلبيا أو عملا إيجابيا عمديا أو غير عمدي .

كما يمكن تعريف الخطأ على أنه القيام بما يجب الامتناع عنه أو الامتناع عن ما يجب القيام به ، الأمر الذي أدى إلى إحداث ضرر ، فالخطأ المرفقي هو كل فعل غير مشروع قامت به الإدارة العامة وألحق ضررا

وللتمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي إجتهد الفقه لإيجاد معيار للتمييز ، إلا أن كل المحاولات الفقهية باءت بالفشل ، حيث لم ينجح أي معيار في وضع حدود فاصلة بين الخطين ويبقى التمييز سلطة تقديرية في الأخير للقاضي الإداري حسب كل قضية وظروفها ، ومن بين المعايير الفقهية التي وضعها الفقه في محاولة منهم للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي نذكر على سبيل المثال :

معيار جسامة الخطأ : ومفاده هو أنه كلما كان الخطأ جسيما فالخطأ خطأ شخصي ، أما الخطأ البسيط فهو خطأ مرفقي

وكنقد وجه لهذا المعيار أن القاضي الإداري في بعض الأنشطة والمرافق الحساسة والخطيرة اشترط لاعتبار الخطأ خطأ مرفقيا أن يكون الخطأ خطأ جسيما هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد اختلافا بين الدول في تحديد جسامة الخطأ المرفقي ، فإذا كان القضاء الفرنسي اشترط لقيام المسؤولية الإدارية في المرافق العقابية توفر الخطأ الجسيم نجد القضاء الإداري الجزائري في نفس المجال أي في المرافق العقابية يشترط لقيام المسؤولية الإدارية توفر الخطأ البسيط ، إذن نلاحظ عدم الاستقرار القضائي في تحديد وتكييف الخطأ المرفقي

معيار النزوات الشخصية : إذا كان الخطأ يكشف عن أن هذا الموظف كان يتصرف من منطلق نزواته وشهواته وعدم تبصر ، فيعتبر هذا الخطأ خطأ شخصيا يتحمل مسؤولية التعويض عن الأضرار الناجمة عنه ، أما إذا كان هذا الخطأ لا يكشف عن نزوات وشهوات أو عدم تبصر وإن أي شخص مكان هذا الموظف سيرتكب نفس الخطأ عندما يكون في نفس الظروف أي في موقع إمكانية الخطأ وإمكانية الصواب فالخطأ هنا خطأ مرفقي ينسب إلى الإدارة العامة وتتحمل مسؤولية التعويض عن الأضرار الناجمة عنه

والنقد الموجه إلى هذا المعيار قيامه على النية أي على نوايا الموظف وقت إرتكابه للخطأ فإذا كانت نية الموظف سيئة كان الخطأ خطأ شخصيا ، أما إذا كانت نيته حسنة فالخطأ خطأ مرفقي ، والنوايا أمر نفسي داخلي يصعب إثبتها .

معيار الهدف : ومفاده أن الموظف إذا كان يهدف أثناء قيامه بأعماله الوظيفية إلى تحقيق مصالح وظيفته فوقع منه الخطأ فالخطا هنا خطا مرفقي ، أما إذا كان يهدف إلى تحقيق مصالحه الخاصة فالخطأ خطأ شخصي

ويوجه نفس النقد لهذا المعيار لأن الأمر يتعلق بالنوايا النفسية الداخلية التي يصعب إثباتها

هذا ناهيك عن تداخل المعايير السابقة ، فقد يكون الخطأ جسيما إلا أنه وقع أثناء قيام الموظف العام بوظيفته وكان يهدف إلى تحقيق مصالح الوظيفة وليس مصالحه الخاصهة ، ولم يكن يتصرف من منطلق نزوات وشهوات فوفقا للمعيار الأول الخطأ خطأ شخصي ووفقا للمعايير الأخرى الخطأ خطأ مرفقي

معيار قابلية الخطأ للإنفصال عن الوظيفة : إذا كان الخطأ المرتكب من طرف الموظف منفصلا عن الوظيفة العامة فهو خطأ شخصي يتحمل المسؤولية الشخصية عنه ويعوض من ذمته الخاصة ، أما إذا كان غير قابل للإنفصال عن الوظيفه العامة ومتصل بها اتصالا وثيقا فالخطأ خطأ مرفقي ينسب إلى الإدارة العامة وتتحمل التعويض عن الأضرار الناجمة عنه

لم يسلم هذا المعيار كذلك من النقد فأولا هناك صعوبة كبيرة في تحديد مدى إتصال أو إنفصال الخطأ عن الوظيفة هذا من جهة ومن جهة أخرى قد يكون الخطأ متصلا بالوظيفة العامة لكنه خطأ جسيم أو يكشف عن شهوات ونزوات الموظف فهل الخطأ هنا خطأ شخصي أو خطأ مرفقي ؟ أي أن هناك تداخل في المعايير ، كما أنه من الممكن أن يكون الخطأ أجنبيا تماما عن الوظيفة أي لم يستعمل الموظف عند إرتكابه الخطأ أدوات الوظيفة ولم يرتكب الخطأ في مكان وزمان الوظيفة ، فهذا خطأ أجنبي تماما عن الوظيفة ، في حين قد يتصل الخطأ بالوظيفة كونه ترتب نتيجة استعمال أداة الوظيفة لكن خارج زمان ومكان الوظيفة وهذا ما يعرف بمناسبة الوظيفة العامة ، وقد يرتكب الخطأ بسبب ممارسة الوظيفة العامة اي بإستعمال أدواتها وفي زمان ممارسة الوظيفة العامة لكن خارج مكانها ، هاتين الحالتين أي إرتكاب الخطأ بسبب الوظيفة أو بمناسبتها اعتبرها الفقه كلها أخطاء شخصية وليست مرفقية ، أما إذا كان الخطأ له علاقة بأداة الوظيفة وأثناء ممارستها وفي مكان أداء الوظيفة فهنا الخطأ متصل اتصالا كاملا بالوظيفة لكن يصعب تمييز إذا ما كان شخصيا أو مرفيا ، ويرى الفقه أنه في هذه الحالة يتم إعمال المعايير السابقة

معيار طبيعة الالتزام الذي تم الاخلال به فإذا كان الإلتزام المخل به إلتزام عام يقع على الجميع سواء الموظف أو غيره فهنا الخطأ خطأ شخصي لا ينسب إلى الإدارة العامة ، أما إذا كان الإلتزام المخل به إلتزاما وظيفيا فالخطأ خطأ مرفقي .

ويوجه لهذا المعيار كذلك نفس نقد تداخل المعايير السابقة معه ، فقد يخل الموظف العام بإلتزام وظيفي ولكن الخطأ خطأ جسيم ، فهل نحن أمام خطأ مرفقي أو خطأ شخصي ؟

وفي أخر المطاف وأمام هذه الإنتقادات الموجهة لكل معيار ، إرتاى الفقه إتباع توجه أخر من خلال فحص مختلف الإجتهادات القضائية واتفقوا على تقسيم الخطأ المرفقي إلى ثلاث صور أو ثلاث فئات وهي :

  • كل خطأ ناتج عن عدم تسيير المرفق العام
  • كل خطأ ناتج عن سوء تسيير أو تنظيم المرفق العام
  • كل خطأ ناتج عن البطء في تسيير المرفق العام

قاعدة جمع المسؤوليات : ونكون أمام هذه القاعدة إما بسبب حدوث ضرر بسبب خطأ شخصي ألا وهو خطأ الموظف ، وهنا تتحمل الإدارة العامة المسؤولية الإدارية على هذا الخطأ الشخصي وتدفع التعويض للمتضرر ثم لها الرجوع على الموظف بمبلغ التعويض ، كما يمكن جمع المسؤوليات في حالة وجود خطأين شخصي ومرفقي تسبب في نفسي الضرر فهنا تقوم مسؤولية الإدارة وكذا مسؤولية الموظف والتعويض تعويض واحد يوزع بينهما .

ب / الضرر

لا يكفي لقيام المسؤولية الإدارية إثبات الخطأ بل لابد كذلك من إثبات الضرر ، وهذا سواء في المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ أو حتى في المسؤولية الإدارية بدون خطأ ، فما المقصود بالضرر ؟ وما هي شروطه أو خصائصه في كل نوع من أنواع المسؤولية الإدارية ؟

الضرر : هو كل أذى يصيب الشخص في ماله أو في نفسه أو يصيب مصالحه المادية والمعنوية ، فحتى الضرر المعنوي يتم التعويض عليه .

شروط أو خصائص الضرر في المسؤولية الإدارية

للضرر في المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ أربع شروط أو خصائص ، يضاف إليها شرطين أو خاصيتين في المسؤولية الإدارية بدون خطأ وهي :

شروط الضرر في المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ

  • يجب أن يكون الضرر مباشرا
  • يجب أن يكون الضرر محققا مؤكد الوقوع حتى وإن كان مستقبليا المهم أن يكون أكيد الوقوع والتحقق أو تحقق فعلا
  • أن يكون الضرر واقعا على وضعية يحميها القانون
  • أن يكون الضرر قابلا للتقدير النقدي

شروط ( خصائص ) الضرر في المسؤولية الإدارية بدون خطأ

وتتمثل شروط أو خصائص الضرر في هذه المسؤولية في الشروط الأربعة السابقة الذكر يضاف إليها الشرطين التاليين وهما :

  • أن يكون الضرر خاصا غير عام ، أي واقع على شخص معين بذاته أو فئه معينة بذاتها
  • أن يكون الضرر جسيما غير عادي ، أي يبلغ درجة من الجسامة ولا يكون مجرد ضرر بسيط

شروط وخصائص الضرر في المسؤولية الإدارية

جـ / العلاقه السببية

لا يكفي لقيام المسؤولية الإدارية إثبات قيام الخطأ وضرر بل لابد من نسبة الضرر إلى الخطأ لقيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ ، أو نسبة الضرر إلى النشاط الإداري الضار في المسؤولية الإدارية بدون خطأ .

وهذا ما يعرف بالعلاقة السببية أي أن أضرار هو نتيجة مباشرة للخطأ أو للنشاط الإداري ، وأن الخطأ أو النشاط الإداري هو الذي تسبب مباشرة في هذا الضرر

وعليه يجب على المدعي إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية لقيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ ، أو إثبات الضرر والعلاقة السببية التي تربطه بالنشاط الإداري في المسؤولية الإدارية بدون خطأ، "فالبينة على من إدعى" ، وتنفي الإدارة العامة المسؤولية عنها إما بإثبات إنعدام الخطأ أو إنعدام الضرر أو بإنفاء العلاقة السببية وقطعها ، وهذه الأخيرة أي نفي قيام العلاقة السببية ومن ثم نفي المسؤولية الإدارية ، ويتحقق للإدارة إذا أثبتت ما يلي :

  • إذا أثبتت أن الضرر وقع بسبب خطأ الضحية
  • أو أن أضرر وقع بسبب خطأ الغير
  • أو أن اضرر وقع بسبب القوة القاهرة

فإذا أثبتت الإدارة أحد هذه الأمور الثلاثة تقطع العلاقة السببية وتنفي عن نفسها المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ ، أما بالنسبة للمسؤولية الإدارية بدون خطأ فتنتفى فقط بإثبات خطأ الضحية أو القوة القاهرة ، أي أنه لا يمكن للإدارة التمسك بخطأ الغير لقطع العلاقة السببية وإعفاء نفسها من المسؤولية الإدارية في المسؤولية الإدارية بدون خطأ .

إنتفاء المسؤولية الإدارية بإنتفاء العلاقة السببية

التعويض

إذا ترتبت المسؤولية الإدارية على الإدارة العامة حكم القاضي الإداري للمتضرر بتعويض عادل وكامل عيني أو نقدي ، والعبرة في تحديد التعويض بجسامة الضرر وليس بجسامة الخطأ ، والقاعدة أن كل ضرر له تعويض واحد ، التعويض وهو ما يعرف بقاعدة وحدة التعويض وإن تعدد المخطئون فإنهم يتقاسمون هذا التعويض ، ولكن في الأخير يتحصل المتضرر على تعويض واحد يجبر ضراره .

أما عن سلطة القاضي الإداري في تحديد قيمة التعويض فإذا كان هناك نص قانوني صريح فسلطة القاضي هنا مقيدة ويحكم بما قضى به القانون ، أما إذا لم ينص القانون فله سلطة تقديرية على أن لا يحكم بأكثر مما طلب منه ، فإذا كانت قيمة الضرر أقل من قيمة التعويض الذي طلبه المتضرر ، فللقاضي سلطة تقديرية ما بين قيمة الضرر وقيمة التعويض المطلوب ، أما إذا كانت قيمة ضرر أكثر من قيمة التعويض الذي طلبه المتضرر فلا يستطيع القاضي إلا منحه ما طلبه منه المدعي وإن كان أقل بكثير من قيمة أضرار ، فالقاعدة كما قلنا لا يحكم القاضي بأكثر مما طلب منه .


آخر تعديل: الاثنين، 20 مايو 2024، 10:43 AM