تنصب دعوى الإلغاء على القرار الإداري وتنتهي بصدور حكم فيها ،يقضي إما بإلغاء القرار الإداري أو برفض الدعوى، وبالتالي عدم إلغاء القرار الإداري ، ولإدراك آثار دعوى الإلغاء لابد من التطرق لدراسة النقاط التالية :
أولا : آثار دعوى الإلغاء على القرار الإداري المطعون فيه
ثانيا : طبيعة الحكم الصادر في دعوى الإلغاء
ثالثا : تنفيذ الحكم الصادر بإلغاء القرار الإداري
أولا : آثر دعوى الإلغاء على القرار الإداري المطعون فيه
من المعلوم أن القرار الإداري بمجرد صدوره يفترض فيه أنه مشروع سليم وصحيح ، ويدخل مباشرة حيز التنفيذ وتباشر الإدارة العامة تنفيذه وينتج آثاره ، ومن هنا نتساءل عن آثر رفع دعوى إلغاء في هذا القرار الإداري من حيث التنفيذ ، فهل يؤدي رفع دعوى الإلغاء إلى وقف تنفيذ القرار الإداري ؟أو أن رفع هذه الدعوى لا يؤثر في استمرار تنفيذ القرار الإداري ؟ .
القاعدة العامة : أن دعوى الإلغاء لا توقف تنفيذ القرار الإداري ، وليس من حق القاضي الإداري وقف تنفيذ القرار الإداري ، وهذه القاعدة كانت إلى غاية سنة 2008 قاعدة مطلقة لا يقيدها إي استثناء
وبصدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية سنة 2008 تحت رقم 08 - 09 مكان المشرع رافع الدعوى من رفع دعوى أخرى متزامنة مع دعوى الموضوع يسمى دعوى وقف التنفيذ ، وهذا إذا توفرت شروطها وإجراءاتها ، فدعوى وقف التنفيذ هي استثناء على القاعدة العامة إلا وهي عدم جواز وقف تنفيذ القرار الإداري برفع دعوى الإلغاء
فالقاعدة العامة : هي أن دعوى الإلغاء لا توقف تنفيذ القرار الإداري واستثناء يمكن رفع دعوى وقف التنفيذ المتزامنة مع دعوى الموضوع ، فإذا توفرت شروطها وإجراءاتها التي سوف ندرسها فيما يلي :
ولا تقبل دعوى وقف التنفيذ إلا إذا كان تنفيذ القرار الإداري يؤدي فعلا إلى إحداث آثار وأضرار لا يمكن تداركها ، كالقرار الإداري الذي يقرر هدم بيت على وشك السقوط فإذا رفعت دعوى إلغاء هذا القرار والقاعدة أن هذه الدعوى لا توقف تنفيذ هذا القرار الإداري فقد يتم هدم البيت قبل الفصل في دعوى الإلغاء ففي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى رفع دعوى وقف التنفيذ لتدارك الأضرار الناجمة عن تنفيذ هذا القرار الإداري .
شروط وإجراءات دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري وآثارها
نظمت المواد من 833 إلى 837 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية شروط وإجراءات دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري وآثارها .
وتجدر الإشارة أنه وبموجب تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالقانون رقم 22 - 13 تم إلغاء المادتين 835 و 836 ، وعليه فإن دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري منظمة حاليا بموجب المواد 833 و 834 و 837 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم .
ترفع دعوى وقف تنفيذ القرار الإداري بموجب دعوى مستقلة ، وبموجب عريضة وليس بموجب طلب ، ويشترط أن ترفع هذه الدعوى بالتزامن مع دعوى في الموضوع أو تظلم إداري ، وإلا تم رفضها
وترفع هذه الدعوى وفق نفس إجراءات رفع الدعوى الاستعجالية طبقا للمواد 919 و 920 من قانون الإجراءات المدينة والإدارية
ويتم الفصل في هذه الدعوى من قبل نفس التشكيلة التي تتولى الفصل في دعوى الموضوع بموجب أمر معلل وفي أقرب الآجال ، يقضي إما بوقف تنفيذ القرار الإداري أو برفض الطلب ، ويكون لهذا الأمر أثر مؤقت إلى حين الفصل في دعوى الموضوع ، ويبلغ هذا الأمر رسميا خلال 24 ساعة إلى جميع الأطراف ( المادة 837 ) ، ويتوقف تنفيذ القرار الإداري من تاريخ التبليغ ، وهذا الأمر قابل للطعن بالاستئناف خلال 15 يوما من التبليغ أمام المحكمة الإدارية للاستئناف .
ثانيا : طبيعة الحكم الفاصل في دعوى الإلغاء
إما أن يقضي الحكم برفض دعوى الإلغاء شكلا مثلا بسبب عدم الاختصاص القضائي أو انعدام أحد شروط قبول الدعوى كفوات اجل رفعها أو انعدام القرار الإداري ، كما شرحنا سابقا ، وإما تقبل من حيث الشكل وترفض من حيث الموضوع لعدم اقتناع القاضي بأوجه عدم المشروعية التي أثارها المدعي ، وإما يقضي الحكم بقبول دعوى الإلغاء ويحكم بإلغاء القرار الإداري كليا أو جزئيا إذا أمكن فصل الإجزاء المشروعة عن الأجزاء غير المشروعة في القرار الإداري
ثالثا : تنفيذ الحكم الفاصل في دعوى الإلغاء
تنفيذ الأحكام القضائية هو التزام دستوري على الدولة وعلى جميع سلطاتها وهيئاتها فلابد من تنفيذ كل حكم قضائي صادر باسم الشعب وتسهر كل سلطات الدولة على تنفيذ الحكم القضائي ، ولقد نص الدستور على تجريم كل عرقلة لتنفيذ الأحكام القضائية
ورغم هذا يتميز تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضد الإدارة العامة بنوع من الصعوبة بالمقارنة مع تنفيذ الأحكام القضائية الأخرى ، وهذا بسبب مجموعة من المبادئ التي تمنع حتى القاضي الإداري من توجيه الأوامر للإدارة العامة ، وهذا راجع لمبدأ الفصل بين السلطات وكذلك مبدأ عدم جواز الحجز على أموال الدولة ، باعتبار أنها أموال مخصصة للمصلحة العامة ، بالإضافة إلى مبدأ عدم جواز التنفيذ الجبري على الإدارة العامة عن طريق القوة العمومية ، فمجمل هذه المبادئ تصعب من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة العامة .
لكن مع صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية سنة 2008 رقم 08 - 09 تم تبني بعض الحلول التشريعية التي يمكن من خلالها إجبار الإدارة العامة على تنفيذ الأحكام القضائية ، ومن بين هذه الحلول نذكر :
- أصبح بإمكان القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة العامة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها ، وقد يصدر الأمر بتنفيذ الحكم القضائي في نفس الحكم القضائي المأمور بتنفيذه إذا طلب ذلك قبل صدور الحكم القضائي ، كما يمكن أن يصدر الأمر بعد صدور الحكم القضائي في حالة ما إذا لم يطلب ذلك قبل صدور الحكم وهذا طبقا للمواد 978 و 979 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدل والمتمم
- فرض الغرامات التهديدية : حيث يمكن للقاضي الإداري فرض غرامات تهديدية على الإدارة العامة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها ، وهذا بعدما كانت الممارسة القضائية قبل صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية تعرف تناقضا وتذبذبا في مسألة فرض الغرامات التهديدية ، حيث كان النص موجودا ولكن الممارسة القضائية كانت غير واضحة ، وبصدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية سنة 2008 وبموجب المواد 980 إلى 985 أصبح من الممكن فرض الغرامات التهديدية على الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام القضائية ، ولقد أكدت المادة 982 على أن الغرامة التهديدية مستقلة على التعويض ، حيث أنه إذا سبب امتناع الإدارة العامة عن تنفيذ الأحكام القضائية أضرار وجب الحكم عليها بالتعويض ، أما الغرامة التهديدية فهي عبارة عن عقوبة لعدم تنفيذ الحكم القضائي
- كما أن قانون العقوبات المعدل سنة 2001 القانون رقم 01- نص في المادة 138 مكرر على المتابعة الجزائية للموظف الذي يعرقل تنفيذ الأحكام القضائية وهذا لعدم إمكانية متابعة الإدارة العامة متابعة جزائية لأنها شخص معنوي فيتم متابعة الموظف المكلف بالتنفيذ إذا ما عرقل التنفيذ ، وفي هذا تنفيذ للدستور الذي أصبح يجرم عمليات عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية ، ولقد تم تكييف هذه الجريمة على أنها جنحة يعاقب عليها بالحبس والغرامة طبقا للمادة سالفة الذكر
- والى جانبي هذه الحلول يمكن كذلك أن تنعقد المسؤولية الإدارية للإدارة العامة بسبب امتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية إذا ما أدى هذا الامتناع إلى إحداث أضرار بشخص ما ، حيث يمكن لهذا الأخير رفع دعوى المسؤولية الإدارية والمطالبة بالتعويض ، وهي أحد صور المسؤولية الإدارية
ملاحظة هامة : تجدر الإشارة فيما يخص تنفيذ الأحكام القضائية في المادة الإدارية أنه لا يمكن تنفيذ الحكم مباشرة بعد صدوره عن المحكمة الإدارية إذ أنه يجب استنفاذ أجل الطعن بالاستئناف ، حتى يصبح نهائيا ويمهر بالصيغة التنفيذية ، وهذا طبقا لنص المادة 908 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، حيث أصبح للاستئناف أثر موقف وهذا على خلاف ما كان عليه الأمر قبل تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية سنة 2022 إذا كان الاستئناف لا يوقف تنفيذ الأحكام القضائية وبمجرد صدورها تمهر بالصيغة التنفيذية وتنفذ مباشرة طبقا للمواد 948 ، 913 ، 914