المحاضرة الثانية في مصادر القانون التجاري

العرف:

ينشأ العرف جراء التطبيق العملي الطويل المرتبط بنوع معين من النشاط، ويصار إليه فيما إذا افتقد النص التشريعي لحسم نزاع يثور بمناسبة تعامل ما، سواء كان تجاريا أم مدنيا، فقد أجاز المشرع اللجوء إلى قواعد التطبيق العملي التي اصطلح على تسميتها ((العرف)) ولا يركن إليها إلا عند غياب النص التشريعي وعدم وجود قاعدة تشريعية مخالفة. [4][1]

والعرف هو عبارة عن تلك القواعد التي تنشأ من اعتياد الناس على عادات يتوارثونها جيلا عن جيل لها جزاء قانوني كالقانون المسنون سواء بسواء. ويتكون العرف عبر مرحلتين؛ المرحلة الأولى يبدأ كعادة، ثم في مرحلة ثانية يتحول إلى قاعدة قانونية عرفية نظرا لاعتقاد الناس بالزاميتها، ولا يوجد فاصل بين المرحلتين بل تتداخلان لأن العادة تصبح عرفا متى اشتملت على عنصر الإلزام الذي يميز العرف عن العادة، ومن أمثلة العرف التجاري؛ افتراض التضامن بين المدينين بدين تجاري إذا تعددوا، وهذا خلافا للقاعدة المدنية التي تقضي بأن التضامن لا يفترض، وإعذار المدين في المسائل التجارية بأي طريق أو شكل بدلا من إعذاره بالشكل الرسمي، وتخفيض الثمن بدلا من الفسخ عند تأخر البائع عن تسليم المبيع أو في حالة تسليم بضاعة من صنف أقل جودة من الصنف المتفق عليه. [5][2]

في سنة 1996 أصدر المشرع الجزائري الأمر رقم 96-27 الذي يعدل ويتمم القانون التجاري [6][3] الذي جاء في مادته الثالثة أنه يتمم الأمر 75-59 بالمادة الأولى مكرر، تحرر كما يأتي: '' يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار، وفي حالة عدم وجود نص فيه، يطبق القانون المدني وأعراف المهنة عند الاقتضاء.'' من هذا النص يتضح لنا جليا أنه قد زعزع مكانة الشريعة الإسلامية، إذ جعل عرف المهنة التجارية يتقدمها لحكم علاقات التجار، بعدما كانت في المادة الأولى من القانون المدني الجزائري تأتي في الدرجة الثانية لحكم علاقة الأفراد، وبما أننا في مجال القانون التجاري وهو مجال خاص يقتضي الأمر منا تطبيق المبدأ القائل: الخاص يقيد العام، فإذا لم نجد فيه نصا علينا الرجوع إلى أحكام القانون المدني والعرف التي وضعها المشرع كما يبدو من ظاهر النص في درجة واحدة. [7][4]

وعلى الرغم من عجز العرف عن الاحتفاظ بمكانته السابقة قبل صدور التشريع التجاري، بحيث أصبح يأتي في درجة أدنى منه، فإن هذا الأخير لا يستطيع وحده تلبية حاجات التجارة العصرية التي هي دائما في تطور مستمر. فهناك العديد من المعاملات التجارية المهمة لازال يحكمها العرف كالبيوع البحرية والشيكات والحسابات الجارية والاعتمادات المستندية [8][5]

والعرف مهما بلغت مكانته لا يستطيع أن يخالف النصوص التجارية الآمرة، فإذا خالفها وجب استبعاده، كما أنه يختلف عن العادة التجارية، فهذه الأخيرة تعتمد أساسا في إلزامها على رضا المتعاقدين، رضاء صريحا أو ضمنيا، وقد تنقلب العادة إلى عرف تجاري إذا ما درج الناس على إتباعها وشعروا بأنها أصبحت تتمتع بقوة إلزامية. [9][6]

وعليه يمكن القول أن القواعد التجارية العرفية هي المصدر الثاني للقانون التجاري الجزائري، وبهذا فهي تتراجع للوراء أمام التشريع التجاري بعدما كانت تطبق وحدها في بدايات الأولى للمعاملات التجارية قبل صدور أول تشريع خاص بالمعاملات التجارية، كما أنها تتقدم على مبادئ الشريعة الإسلامية في ترتيب مصادر القانون المدني الذي يجعلها في المرتبة الثالثة، وذلك نظرا لأهميتها حسب رأي المشرع الجزائري.

  1. 4

    باسم محمد صالح، المرجع السابق، ص 22.

  2. 5

    أحمد محرز، المرجع السابق، ص 37.

  3. 6

    الأمر رقم 96-27 المؤرخ في 9 ديسمبر سنة 1996، يعدل ويتمم الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون التجاري، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية / العدد 77، مؤرخة في 11 ديسمبر سنة 1996.

  4. 7

    نادية فضيل، المرجع السابق، ص 39.

  5. 8

    أحمد محرز، المرجع السابق، ص 37.

  6. 9

    نادية فضيل، المرجع السابق، ص ص 40-41.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)