أنصار الازدواجية (الاستقلال):
ويسمى أصحاب هذا الرأي بأنصار استقلالية القانون التجاري عن القانون المدني، على اعتبار أن المعاملات المدنية تختلف عن نظيرتها التجارية، حيث أن الأخيرة قوامها السرعة والثقة والائتمان، لذا فهي تتطلب قواعد قانونية خاصة تلبي أهدافها وطموحاتها، وتضمن استمراريتها في بيئة آمنة ومستقرة، وهذا لا يتأتى وتطبيق قواعد القانون المدني في المسائل التجارية، بينما القانون المدني يقر قواعد عامة توفر حماية أكبر للطرف الضعيف في التعاقد. مما يدل على أن لكل منهما خصوصيته، فلا يجوز نقل بعض القواعد التجارية إلى نطاق تطبيق القانون المدني لأن ذلك سيؤدي حتما إلى عدم استقرار المعاملات التجارية والإضرار بمصالح المتعاملين الاقتصاديين بدلا من حمايتها.
ويذهب المؤيدون لهذه النظرية إلى القول بأنه على الرغم من أوجه الشبه بين الأحكام المنظمة للعقود المدنية والتجارية، كعقود البيع والإيجار إلا أن أحكام العقود التجارية تشمل قواعد فنية لا تعرفها العقود المدنية. وفضلا عن ذلك فإن الالتزام طبقا لأحكام القانون المدني عبارة عن رابطة شخصية تحددها إرادة الأطراف، بشرط عدم مخالفة النظام العام والآداب، في حين أن إرادة الأطراف في الحياة التجارية قد لا يكون لها هذا السلطان بسبب وسائل التعامل التجاري التي ينظمها المشرع بنصوص آمرة، فيحدد القانون البيانات الإجبارية اللازمة للورقة التجارية كالشيك وخطابات الضمان والسفتجة وكيفية التظهير وحقوق المتعاملين بهذه الوراق، دون الاعتداد بإرادة الأطراف. [13][1]
في العقود المدنية تعد الإرادة عنصرا جوهريا في التراضي الذي يتم عن طريق تبادل الطرفين التعبير عن إرادتهما المتطابقتين، بينما في العقود التجارية قد تفرض على الشخص التزامات تعاقدية لم يكن طرفا فيها، كالشركاء بالتضامن فهم مسؤولون من غير تحديد وبالتضامن عن دوين الشركة وفقا وذلك لأحكام المادة 551 من ق ت ج.
وكذلك بالنسبة للأحكام المنظمة للأموال، نجد أن القانون المدني يهتم فقط بالأموال العقارية وبخاصة حق الملكية وتوابعه، ولا يهتم بالأموال المعنوية التي نظمها القانون التجاري بإسهاب، كالقيم المنقولة (الأسهم والسندات) والسمعة التجارية، وبراءات الاختراع، والرسوم والنماذج والعلامات التجارية. [14][2]
وعليه يمكن القول أن أنصار الازدواجية يرون وجوب الأخذ بفكرة استقلالية قواعد القانون المدني عن قواعد القانون التجاري، وذلك نظرا لمقتضيات المعاملات التجارية التي تتطلب قواعد خاصة تتماشى والمقتضات التجارية من سرعة وائتمان، إلا أنه يبقى القانون المدني الشريعة العامة لجميع الفروع القانون بما فيها القانون التجاري، مما يستوجب الرجوع إلى أحكامه في حالة عدم وجود نص فيه.