ﻋصر ﻧﻬﻀﺔ من منظور باحثي اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ

في وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ، ﻇﻬﺮت وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ أﻛﺜﺮ ﺗﻨﺎﻗﻀًﺎ ﻋﻦ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. وﻗﺪ واﺟﻪ ﺑﻮرﻛﻬﺎرت أول اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت في ﻋﺎم 1919، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧشر ﻳﻮﻫﺎن ﻫويزﻳﻨﺠﺎ ﻛﺘﺎب: ''اضمحلال اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ''. ﻓﻘﺪ درس ﻫويزﻳﻨﺠﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﻢ ﺗﺠﺎﻫﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ وﻣﺠﺘﻤﻊ أوروﺑﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ في اﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻌصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، وﺗﺤﺪى ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺑﻮرﻛﻬﺎرت ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔترة إلى ''ﻋﺼﻮر وﺳﻄﻰ'' و''ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ''، ﻗﺎﺋﻼ ًﺑﺄن اﻷﺳﻠﻮب والمواقف اﻟﺘﻲ ﺣﺪدﻫﺎ ﺑﻮرﻛﻬﺎرت ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، ﻛﺎﻧﺖ في اﻟﻮاﻗﻊ اﻧﺤﺴﺎرًا ﻟﺮوح اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. واﺳﺘﺪل ﻫويزﻳﻨﺠﺎ ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﻔﻠﻤﻨﻜﻲ ﻟﻴﺎن ﻓﺎن أﻳﻚ في اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋشر: إﻧﻪ — ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺸﻜﻞ والمضمون — ﻧﺘﺎج ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. وإذا اﻛﺘﺸﻒ ﺑﻌﺾ ﻣﺆرﺧﻲ اﻟﻔﻦ ﻋﻨﺎصر ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﻔترة، ﻓﺬﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ اﺧﺘﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷﻣﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎﻃﺊ ﺗﻤﺎﻣًﺎ في اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ بين اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ وﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. وﻫﻜﺬا أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، وﻫﺬا اﻟﻄﻤﻮح في ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻫﻤﺎ اﻟﺴﻤﺔ المميزة ﻟﺮوح اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻔﻆ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ الأخيرة.

ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ المرئية المفصلة في ﻟﻮﺣﺔ ﻓﺎن أﻳﻚ — في ﻧﻈﺮ ﻫويزﻳﻨﺠﺎ — ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ، وﻟﻴﺲ ﻣﻴﻼدًا ﻟﺮوح ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ المتمثلة في التعبير اﻟﻔﻨﻲ اﻟﻘﻮي. ورﻏﻢ أن ﻫويزﻳﻨﺠﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﻓﺾ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺼﻄﻠﺢ ''ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ''، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮة ﺳﻮى ﺟﺰء ﺿﺌﻴﻞ ﻟﻢ ﻳﺮ أﻧﻪ ﻗﺪ اﻧﺒﺜﻖ ﻋﻦ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ. ﻟﻘﺪ ﻗﺪم ﻛﺘﺎب ﻫويزﻳﻨﺠﺎ ﻧﻈﺮة ﻣﺘﺸﺎﺋﻤﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻟﻨﻤﻮذج ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺬي اﺣﺘﻔﻰ ﺑﻪ أﺳﻼﻓﻪ في اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋشر. وﻧﻈﺮًا ﻷن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺪ وﺿﻊ في ﺧﻀﻢ اﻟﺤﺮب العالمية اﻷولى، ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ المدهش أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ إﺛﺎرة ﻗﺪر ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻟﻔﻜﺮة ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ازدﻫﺎر ﺗﻔﻮق اﻟﻔﺮدﻳﺔ و''اﻟﺤﻀﺎرة'' اﻷوروﺑﻴﺔ.

ﺷﻬﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ ﻗﻴﺎم ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ المفكرين المهاجرين ﻣﻦ أوروﺑﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻌصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، في وﻗﺖ ﻫﺪد ﻓﻴﻪ ﻇﻬﻮر اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪادﻳﺔ ﺑﺘﻘﻮﻳﺾ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﺮﺣﻴﻤﺔ ﻟﻠﻨﺰﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ في ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. ﻓﻘﺪ ﻫﺮب اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ الباحثين الألمان — ﻣﺜﻞ ﺑﻮل أوﺳﻜﺎر ﻛﺮﻳﺴﺘﻠﺮ، وﻫﺎﻧﺰ ﺑﺎرون، و إرفين ﺑﺎﻧﻮﻓﺴﻜﻲ — ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت في ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ، وذﻫﺒﻮا إلى المنفى في اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ اﻟﻼﺣﻘﺔ ﻋﻦ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺗﺄﺛﺮت ﺗﺄﺛﺮًا كبيرا ﺑﻬﺬه اﻷﺣﺪاث، وﻻ ﺗﺰال ﺗﺆﺛﺮ في اﻟﺪراﺳﺎت المعاصرة ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔترة.

ﻳﻘﻮل ﻛﺘﺎب ''أزﻣﺔ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ المبكرة'' (1955) ﻟﻬﺎﻧﺰ ﺑﺎرون ﺑﺄن إﺣﺪى اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﻔﺎرﻗﺔ في ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ في ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻇﻬﺮت في ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺤﺮب ﻣﻴﻼﻧﻮ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ (1402–1397). وﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﺑﺎرون، ﻓﺈن اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﺪ ﻓﻴﻬﺎ دوق ﻣﻴﻼﻧﻮ ﺟﺎن ﺟﺎﻟﻴﺎﺗﺴﻮ ﻓﻴﺴﻜﻮﻧﺘﻲ لمهاجمة ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﻋﺎم 1402 ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺒﻪ ''ﺑﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻐﺰو ﺑﻬﺪف اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻋلى ﺳﻤﺎء أوروﺑﺎ''. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرن ﺑﺎرون ﺟﺎن ﺟﺎﻟﻴﺎﺗﺴﻮ ﺑﻨﺎﺑﻠﻴﻮن وﻫﺘﻠﺮ، ﺗﻮﺻﻞ إلى أن ﺗﻠﻚ المقارنات ﺳﺎﻋﺪت ﻋلى ﻓﻬﻢ ''أزﻣﺔ ﺻﻴﻒ ﻋﺎم 1402م، وﻓﻬﻢ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ المادية واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻴﺎسي ﻟﻌصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻟﻨﻤﻮ اﻟﺮوح المدنية ﺑﻔﻠﻮرﻧﺴﺎ''. أﺻﻴﺐ ﺟﺎن ﺟﺎﻟﻴﺎﺗﺴﻮ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﻮن في ﺳﺒﺘﻤبر 1402 وﻧﺠﺖ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﻣﻦ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ. وﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﺑﺎرون، ﻓﺈن اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ لما أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻧﺘﺼﺎر اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ المدنية ﻋلى ﺣﻜﻢ اﻟﻔﺮد اﻹﻗﻄﺎﻋﻲ ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟِﻢ ورﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻴﻮﻧﺎردو ﺑﺮوﻧﻲ. ووﻓﻘًﺎ لما ذﻛﺮه ﺑﺎرون في ﻛﺘﺎﺑﻪ ''في ﻣﺪح ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ'' وﻛﺘﺎﺑﻪ ''ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﻮرﻧسي''، ﻓﺈن ﺑﺮوﻧﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ ''ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻨﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت اﻋتراﺿًﺎ ﻋلى ﻧﻤﺎذج اﻻﻧﺴﺤﺎب اﻟﻌﻠﻤﻲ''. وﻛﺎن ﻫﺬا ﻳﻤﺜﻞ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎرون ﻟﻠﻨﺰﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ المدنية، واﻟﺘﻲ ''ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺜﻘﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻋﻀﻮًا في ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ودوﻟﺘﻪ''، واﻟﺘﻲ اﻋﺘﻨﻘﺖ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ، واﻟﺘﻲ رأى ﺑﺎرون أﻧﻬﺎ ﻣﻤﺜﻠﺔ في أسرة آل ﻣﻴﺪﻳﺘشي في ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ.

ﻛﺎﻧﺖ أﻃﺮوﺣﺔ ﺑﺎرون اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﺟﺬاﺑﺔ ﻟﺪور المفكر اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ في وﻗﺖ ﻛﺎﻧﺖ أوروﺑﺎ ﻣﻬﺪدة ﺑﻈﻬﻮر اﻻﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺴﻴﺎسي، واﻋﺘبرت ﻫﺬه اﻷﻃﺮوﺣﺔ ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ وآل ﻣﻴﺪﻳﺘشي في ﻗﻠﺐ أﺻﻮل ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، وﻟﻜﻨﻬﺎ في اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﻈﺮت إلى اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﺪى ﺑﺮوﻧﻲ واﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﺠﻤﻬﻮري في ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ ﻧﻈﺮة ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ. أﻣﺎ ﺑﻮل أوﺳﻜﺎر ﻛﺮﻳﺴﺘﻠﺮ، ﻓﻘﺪ ﺗﺒﻨﱠﻰ ﻣﻨﻬﺠًﺎ ﻣﻐﺎﻳﺮًا لمنهج ﺑﺎرون؛ ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻜﺮﻳﺴﺘﻠﺮ، اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺘﺄﻣﻠﻴﺔ لمارتشيلو ﻓﻴﺘﺸﻴﻨﻮ — وﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﺆﻳﺪي اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ في ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ — ﺧﺎﺻﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ ''اﻟﻼﻫﻮت اﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻲ'' المكتوب في اﻟﻔترة ﻣﺎ بين 1469 و 1473م، ﻫﻲ ﻣﺎ ﺣﺪدت اﻧﺼﻬﺎرًا ﺟﺪﻳﺪًا بين اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ والمسيحية. وﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻛﺮﻳﺴﺘﻠﺮ، ﻓﺈن اﺑﺘﻜﺎر ﻓﻴﺘﺸﻴﻨﻮ ﻳﻜﻤﻦ في اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن: '' اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻘﻒ اﻵن ﺣﺮة وﻋلى ﻗﺪم المساواة ﻣﻊ اﻟﺪﻳﻦ، وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻌﻪ؛ ﻷن اﻷﺻﻞ المشترك والمحتوى المشترك ﻳﻀﻤﻦ اﺗﻔﺎﻗﻬﻤﺎ. وﻫﺬا ﺑﻼ ﺷﻚ أﺣﺪ ﻫﺬه المفاهيم اﻟﺘﻲ أﺷﺎر ﺑﻬﺎ ﻓﻴﺘﺸﻴﻨﻮ إلى اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻧﺤﻮ المستقبل''. ﺗﻨﺎوﻟﺖ أﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ ﻓﻴﺘﺸﻴﻨﻮ اﻟﻌﻼﻗﺎت المتوترة بين اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪوﻟﺔ؛ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أﻳﻀًﺎ ﻣﺘﻮﺗﺮة في أوروﺑﺎ في ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت وأرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن الماضي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻛﺮﻳﺴﺘﻠﺮ ﻳﺪرس أﻋﻤﺎل ﻓﻴﺘﺸﻴﻨﻮ.

وفي أﻋﻘﺎب اﻟﺤﺮب العالمية اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ في ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ، ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺴﻴﻴﺲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻇﻬﻮر اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ والمساواة ﺑين الجنسين، ﺧﻀﻊ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة ﺗﻘﻴﻴﻢ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻣﺆﺛﺮة ﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎص ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ. ﻓﻔﻲ ﻋﺎم 1980، ﻧشر اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻷدﺑﻲ ﺳﺘﻴﻔﻦ ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت ﻛﺘﺎب ''ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺬات في ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ: ﻣﻦ ﻣﻮر إلى ﺷﻜﺴﺒير''. وﻗﺪ ﺑﻨﻰ اﻟﻜﺘﺎب ﻋلى وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺑﻮرﻛﻬﺎرت ﻋﻦ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻴﻼد اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺪﻳﺚ. وﻳﻘﻮل ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت — اﻟﺬي أﺳﺲ ﻋﻤﻠﻪ ﻋلى اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔسي وﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ — ﺑﺄن اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋشر ﻗﺪ ﺷﻬﺪ ''وﻋﻴًﺎ ﻣﺘﺰاﻳﺪًا ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ''، ﺣﻴﺚ إن اﻟﺮﺟﻞ (وأﺣﻴﺎﻧًﺎ المرأة) ﺗﻌﻠﱠﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﺎﻟﺞ أو ''ﻳﺸﻜﻞ'' ذاﺗﻪ وﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻈﺮوف المحيطة. وﻋلى ﻏﺮار ﺑﻮرﻛﻬﺎرت، رأى ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت ذﻟﻚ ﺑﺪاﻳﺔ ﻇﺎﻫﺮة ﻋصرﻳﺔ ﻋلى ﻧﺤﻮ ﻣﻤﻴﺰ. وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﺮﻳﻨﺒﻼت، ﻓﺈن أﻋﻤﺎل ﻛﺒﺎر ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋشر ﺑﺈﻧﺠﻠترا — ﻣﺜﻞ إدﻣﻮﻧﺪ ﺳﺒﻨسر، وﻛﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ ﻣﺎرﻟﻮ، ووﻳﻠﻴﺎم ﺷﻜﺴﺒير — ﻗﺪﻣﺖ ﺷﺨﺼﻴﺎت ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻓﺎوﺳﺘﺲ وﻫﺎﻣﻠﺖ اﻟﻠﺬﻳﻦ — ﺑﺈدراك ﻛﺎﻣﻞ ﻟﻠﺬات — ﺗﺄﻣﱠ ﻼ ﻫﻮﻳﺎﺗﻬﻤﺎ وﺑﺪآ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ؛ أي إﻧﻬﻤﺎ — ﻋلى ﻫﺬا المستوى — ﻛﺎﻧﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺮﺟﻠين ﻋصرﻳين. واﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت ﻟﻌﺮض ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻋﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺬات ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺜﻞ ﻟﻮﺣﺔ ''اﻟﺴﻔيران'' ﻟﻬﺎﻧﺰ ﻫﻮﻟﺒﺎﻳﻦ.

اﺳﺘﻨﺘﺞ ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت أﻧﻪ في ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ''ﺑﺪأ ﻣﻮﺿﻮع اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺒﺪو ﻣﻘﻴﺪًا ﺑﺼﻮرة ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ، وﻳﺒﺪو المنتج اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﻮة في ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻌين''. وﻧﻈﺮًا ﻷن ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت ﻛﺎن ﻛﺎﺗﺒًﺎ أﻣﺮﻳﻜﻴٍّﺎ، ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﺮض ﻻﺣﻘًﺎ إﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺈﻧﺠﺎزات ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ وﻗﻠﻘﻪ ﺑﺸﺄن اﻟﺠﺎﻧﺐ المظلم ﻣﻨﻪ، وﻻ ﺳﻴﻤﺎ — ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ — اﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟذي اﻧﺘشر ﻃﻮال اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋشر.

ورﻏﻢ ﻋﻨﻮان ﻛﺘﺎب ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت، ﻓﺈﻧﻪ وغيره ﻣﻦ الباحثين ﺑﺪءوا في اﺳﺘﺨﺪام تعبير ''أواﺋﻞ اﻟﻌصر اﻟﺤﺪﻳﺚ'' ﻟﻺﺷﺎرة إلى ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. وﻫﺬا المصطلح ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ويشير إلى ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻤﻠﺆﻫﺎ اﻟﺸﻜﻮك بين ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة المثالية اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ ﻣﻴﺸﻠﻴﻪ وﺑﻮرﻛﻬﺎرت. ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ أﻳﻀًﺎ ﻋلى أن ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻓترة ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻟﻴﺲ ''اﻟﺮوح'' اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻛﻤﺎ أﺷﺎر مؤلفو اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋشر. وﻣﺼﻄﻠﺢ ''أواﺋﻞ اﻟﻌصر اﻟﺤﺪﻳﺚ'' ﻛﺎن يشير ﻛﺬﻟﻚ إلى أن ﻣﺎ ﺣﺪث في اﻟﻔترة ﻣﺎ بين عامين 1400 و1600 ﻛﺎن ﻟﻪ تأثير كبير ﻋلى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ. وﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟترﻛﻴﺰ ﻋلى ﻛﻴﻒ ﻧﻈﺮ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ إلى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ وتراثه، ﻓﺈن ﻣﺼﻄﻠﺢ ''أواﺋﻞ اﻟﻌصر اﻟﺤﺪﻳﺚ'' يشير إلى أن اﻟﻔترة ﺗﻀﻤﱠﻨﺖ ﺗﻮﺟﻬًﺎ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴٍّﺎ وﺿﻊ ﺗﺼﻮرًا ﻣﺒﻜﺮًا للعالم اﻟﺤﺪﻳﺚ.

ﻛﻤﺎ أﺷﻌﻞ ﻣﻔﻬﻮم أواﺋﻞ اﻟﻌصر اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﺘﻴﻞ اﺳﺘﻜﺸﺎف ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت وﻗﻀﺎﻳﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺼﻮر أﺣﺪ أن ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻌصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. وﻗﺪ ﻋﻤﺪ ﺑﻌﺾ الدارسين ﻣﺜﻞ ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت، وﻧﺎﺗﺎلي زﻳﻤﻮن دﻳﻔﻴﺲ في ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ''المجتمع واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ في ﻓﺮﻧﺴﺎ في أواﺋﻞ اﻟﻌصر اﻟﺤﺪﻳﺚ'' ( الصادر بـ1975) إلى اﺳﺘﻜﺸﺎف اﻷدوار اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻌﺒﻬﺎ اﻟﻔﻼﺣﻮن واﻟﺤﺮﻓﻴﻮن، واﻟﻨﺴﺎء اﻟﺠﺎﻣﺤﺎت''. وﻧﻈﺮًا ﻷن اﻟﺘﺨﺼﺼﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن واﻷدب واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺮؤى اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ، ﻓﻘﺪ ازداد اﻟترﻛﻴﺰ ﻋلى اﻟﻔﺌﺎت المستبعدة واﻷﻣﻮر المهمشة. وﻣﻦ ﺛﻢ، ﺧﻀﻌﺖ ﻓﺌﺎت ﻣﺜﻞ ''اﻟﺴﺤﺮة'' و''اﻟﺴﻮد'' ﻟﺪراﺳﺔ ﻣﺘﺄﻧﻴﺔ ﻣﺠﺪدًا، ﺣﻴﺚ ﺳﻌﻰ اﻟﻨﻘﺎد ﻻﺳﺘﻌﺎدة اﻷﺻﻮات المهملة أو المفقودة ﻣﻦ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ.

وﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﺎد — ﻣﺜﻞ ﺟﺮﻳﻨﺒﻼت وزﻳﻤﻮن دﻳﻔﻴﺲ — ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ واﻟﻨﻈﺮي في أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻜﺮ ﺣﺮﻛﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ. وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه المناهج ﻣﺘﺸﻜﻜﺔ في ''اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ'' للتغير اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻣﻦ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ إلى اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﺤﺪاﺛﺔ. وﻫﻨﺎك ﺑﻌﺾ المفكرين اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﻤﻮن إلى ﺗﻮﺟﻬﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ — ﻣﺜﻞ ﺛﻴﻮدور أدورﻧﻮ، وﻣﻴﺸﻴﻞ ﻓﻮﻛﻮ — ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄن اﻟﻘﻴﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘبروا أﻧﻬﺎ ﻧﺸﺄت في ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ رد ﻋلى اﻟﻜﻮارث — ﺑﻞ وﺣﺘﻰ ﻣﻦ الممكن أن ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻮاﻃﺌﺔ ﻣﻌﻬﺎ — اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎزﻳﺔ واﻟﺴﺘﺎﻟﻴﻨﻴﺔ وأﻫﻮال ﻣﺤﺮﻗﺔ اﻟﻬﻮﻟﻮﻛﻮﺳﺖ وﻣﻌﺴﻜﺮات اﻻﻋﺘﻘﺎل اﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ. وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ، ﻓﺈن اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ المفكرين في ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ رﻏﺒﺔ في اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻹﻧﺠﺎزات اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﻜبرى ﻟﻌصر اﻟﻨﻬﻀﺔ، وﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ، ﺑﺪأ الكثير ﻣﻦ المؤرخين في ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻷﺷﻴﺎء واﻷﻣﻮر ﻋلى ﻣﺴﺘﻮى ﻣﺤلي أﻛﺜﺮ.

وبالمثل، ﻓﺈن اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻌﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ أﻫﻤﻴﺔ في اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓُﻘﺪت أو دُﻣﺮت ﻻﺣﻘًﺎ، ﻇﻬﺮت ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺠﺪدًا. وﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺮﻛﺰ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﺨﺼﺼﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻋلى ﻓﻨﻮن اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻨﺤﺖ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ المعمارية، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺑﺪءوا اﻟﺒﺤﺚ في ﻛﻴﻒ ﺷﻜﻠﺖ اﻷﻫﻤﻴﺔ المادية ﻟﻸﺛﺎث واﻟﻄﻌﺎم والملابس واﻟﺨﺰف وغيرها ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻋﺎﻟﻢ ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ. وﺑﺪﻻ ﻣﻦ رؤﻳﺔ أوﺟﻪ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ، ﻓﺈن ﻫﺬه المناهج أﺷﺎرت إلى اﻟﻬﻮة الفارقة بين ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻓﺎﻷﺷﻴﺎء واﻟﻬﻮﻳﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔ وغير ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴير ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﺑﻮرﻛﻬﺎرت ﺿﻤﻨًﺎ في ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن ''اﻟﺤﺪﻳﺚ''، ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﺴﺔ وﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋلى ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ.

وﻻ ﻳﺰال اﻟﻨﺰاع ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﻋلى ﺗﺮاث ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ في اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي واﻟﻌشرﻳﻦ، ﻓﻤﻨﺬ اﻟﻬﺠﻮم ﻋلى اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ في ﺳﺒﺘﻤبر 2001، اﺣﺘﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺻﺪام اﻟﺤﻀﺎرات بين اﻟشرق واﻟﻐﺮب ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺮﻳﺎدة ﺑﻨﺎء ﻋلى اﻓتراض أن ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻳﻤﺜﻞ اﻧﺘﺼﺎرًا عالميا ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮب. وﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮى في المحاضرات القادمة، ﻓﺈن أﺻﻮل ﻋصر اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ أﻛﺜﺮ بكثير ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﻮﺣﻲ ﻫﺬه المزاعم، وﻳﻤﺘﺪ تأثيرها إلى ﻣﺎ وراء ﺷﻮاﻃﺊ أوروﺑﺎ.